طغاة أهلكهم الله في رمضان

 يتذكر الناس عند قدوم رمضان بشائره وانتصارات المسلمين فيه ، وهذا حق ، ولكن ثمة بشائر أخرى تغيب ، وهي إهلاك الله للظالمين في رمضان .. اخترنا منهم في هذه السطور:

1-أبو جهل عمرو بن هشام 

فرعون هذه الأمة ، والمحرض الأول على نبي يحسم الله محمد ﷺ ، ولم يبن إنه أمر موقفه على جهل أو التباس ، بل كانت قضيته  كيف يخرج من بني هاشم نبي ؟! بينهم وبين بني مخزوم ، وهكذا سيطرت عليه التنافسية القبلية العصبية الجاهلية حتى كان أشد الناس وأخبثهم وأشرسهم في عداوة هذا الدين ، فكان اللسان السليط والسوط المديد ، أشرف بنفسه على تعذيب من آمنوا من بني مخزوم ومواليهم ومن استطاع من الضعفاء في مكة . 
ولما جاء الخبر بأن قافلة قريش في خطر نهض يجمع لحرب المسلمين دفاعا عن القافلة ، فمن رأى منه ضعفا أو تكاسلًا في الخروج عيره وأهانه حتى يلزمه الخروج ، ثم لما وصل الخبر بأن القافلة قد نجت ومال القوم إلى السكوت أجج من جديد نار الحرب وقال : لا والله ، حتى نأتي بدرا فنتحر الجزور وتغني القينات فلا تزال العرب تهابنا . 
ولشدة تهييجه وحميته لم يستطع أحد من كبار قريش أن يحجزه عن رأيه ولا أن يمنع وقوع الحرب . 
 ولقد طمس الله على قلبه حتى دعا على نفسه قبل بدر ، يقول : اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرفه فأحنه الغداة ( فاهزمه غدا ) ، وقد كان .. وأسفرت معركة بدر عن مقتلة هائلة حصدت الصف الأول من زعماء قريش ، من رضيمنهم بالخروج ومن لم يرض ، ومن سعى في منع الحرب ومن لم يسع ، وهكذا أورد الرجل قومه موارد الهلاك .
  وشاء الله تعالى أن تكون ميتته على يد غلامين صغيرين من الأنصار ترصدا له حتى رمياه ، ثم أجهز عليه الرجل القليل النحيف الضعيف : عبد الله مسعود ، وكان ممن ناله أذاه من قبل ، فجر رأسه ولم يستطع حملها ، وقتله وأبو جهل يقول له : لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم ! فلم يترك الكبر ولا السب حتى في لحظته الأخيرة . 

2- أبو طاهر القرمطي 


الرجل الخبيث ، وصاحب الجريمة العظمى في تاريخ الإسلام : اقتحام الحرم وقتل أهله ونزع الحجر الأسود ، وقد نشط وبرز أمره صغيرا ومات صغيرا كذلك ، فقد هلك أبوه أبو سعيد الجنابي -مؤسس جناح القرامطة في الأحساء- فجأة فانتزع أبو طاهر هذا زعامة القرامطة من أخيه الأكبر ، ثم أ يلبث إلا قليلا في ترتيب أمر أتباعه حتى بدأ الإفساد في الأرض فهاجم البصرة وأقام فيها مذبحة كبرى لسبعة عشر يوما في ( ربيع الآخر 311 هـ ) ، وهاجم قافلة الحجاج العائدة من مكة ( المحرم ٣١٢ هـ ) فقتل ما شاء وأسر ألفين وترك الباقي في الصحراء حتى ماتوا جوعا وعطشا ، ثم هاجم الكوفة ، ثم هاجم الأنبار واستولى عليها ، وصار يعترض طريق الحجاج حتى امتنع الحج من جهة العراق ، ثم هاجم مكة نفسها فامتنع الحج جملة وذعر أهلها وفرّ بعضهم إلى الطائف ، واستطاع في كل مرة هزيمة جيوش الخلافة العباسية -التي كانت حينئذ تعاني فوضى ونزاعا بين أجنحتها- هزائم قبيحة رغم تفوقهم في العدد والعدة ، حتى إن جيشها الرئيسي اعتصم خلف نهر فقطع الجسور ولم يجسر على مواجهته . 
وفي واحدة من أضعف لحظات الخلافة العباسية ، حيث جرى انقلاب عسكري فاشل على الخليفة المقتدر بالله ( 317 هـ ) هاجم أبو طاهر القرمطي ،مكة المكرمة يوم التروية ( 8 ذي الحجة 317 هـ ) فدخل الحرم وارتكب فيه مذبحة شنيعة ، فلم ينج أحد ولو تعلق بأستار الكعبة ، فقتل خلقا  كثيراًوالقي الجثث في بئر زمزم ، وصاح من فجوره « أنا الله وبالله ، أنا أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا » ، ونزع كسوة الكعبة ومزقها ونزع باب الكعبة وهدم القبة المبنية على زمزم ، وأمر باقتلاع الحجر الأسود فكان الذي اقتلعه يصيح « أين الطير الأبابيل ، أين الحجارة من سجيل ؟ » ثم أخذوا الحجر إلى بلادهم ونهبوا ديار المكيين وقتلوا منهم نحو ثلاثين ألفا . 

واستمر إفسادهم وهجومهم على البلاد في ظل عجز من الخلافة العباسية ، وتناحر قادتها ، حتى أنعم الله على الأمة بهلاك زعيمهم أبي طاهر هذا ( رمضان ٣٣۲ هـ ) وعمره ثمانية وثلاثون عاما فقط ، وتضعضع من بعده أمر القرامطة ، وزاد حال الخلافة العباسية سوءا ، فالحمد الله أنه لم يعمر ،وانقضت بموته عشرون عاما عصيبة لم يكن في تاريخ الإسلام مثلها !

3-جنكيز خان 


 من الطاغية المشهور الذي جعل للمغول مكانا في التاريخ ، وواحد ه الجبابرة في تاريخ البشر ، الذي هلكت على يديه ملايين النفوس وخربت على يديه المدائن الزاهرة الناضرة المتفجرة بالعلم والحضارة ، والذي يضرب به المثل في إنشاء أمة كما يضرب به المثل في إهلاك أمم . 
 وبرغم صعوبة نشأته بين يُتم وسجن ، إلا أنه برز وفاق أقرانه ، واستطاع بما أبداه من شجاعة وجلد توحيد أمر قبيلته المغولية في يده ، ثم بمزيج من السياسة والقوة وحد القبائل المغولية تحت سلطانه بعد حروب أهلية داخلية خرج منها بلقبه الذي غلب اسمه : جنكيز خان ، أي : سلطان العالم . 
من ومنذ هذه اللحظة بدأ الإعصار المغولي في اكتساح الممالك ، فقد استولى على أجزاء واسعة من شمال الصين ودمر الإمبراطورية العريقة ، ثم زحف إلى البلاد الإسلامية فاكتسحت جيوشه بلاد ما وراء النهر ( بلاد آسيا الوسطى ) ومنها إلى بلاد الصقالبة والروس ، وفي الجنوب اكتسحت جيوشه أفغانستان وشمال الهند وفارس ، وسقطت الحواضر الكبرى في كل هذه الأنحاء . وأكمل أبناؤه من بعده الطريق فدخل في سلطان المغول : الصين وكوريا والهند ومعظم جنوب آسيا وكل وسط آسيا وأجزاء من شرق أوروبا حتى أوكرانيا وبولندا ، ووصل ابنه هولاكو إلى عاصمة الدولة الإسلامية ، بغداد التي تفيض بالحضارة منذ خمسمائة عام ، فدمّرها وخربها ، وواصل مسيره نحو الشام على سواحل المتوسط الشرقية .. فتحولت ساحة الدنيا في أيامه إلى ساحة دم واسعة !

 واشتهر في التاريخ وصف ابن الأثير لهم لما قال : « لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها ، كارها لذكرها ، فأنا أقدم إليه رجلًا وأؤخر أخرى ، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين ؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك ؟ فيا ليت أمي لم تلدني ، ويا ليتني مت قبل حدوثها وكنت نسيا منسيا ، إلا أنني حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها وأنا متوقف ، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعا "
فنقول : هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى ، والمصيبة الكبرى التي عقت الأيام والليالي عن مثلها ، عمت الخلائق ، وخصت المسلمين ، فلو قال قائل : إن العالم مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم ، إلى الآن ، لم يبتلوا بمثلها ، لكان صادقا ، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها . ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعله بخت نصر ببني إسرائيل من القتل ، وتخريب البيت المقدس ، وما البيت المقدس بالنسبة إلى ما خرب هؤلاء الملاعن من البلاد ، التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدس ، وما بنو إسرائيل بالنسبة إلى من قتلوا ، فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل ، ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن الجيل الثاني ينقرض العالم ، وتفنى الدنيا ، إلا يأجوج ومأجوج . 

وأما الدجال فإنه يبقي على من اتبعه ، ويهلك من خالفه ، وهؤلاء لم يبقوا على أحد ، بل قتلوا النساء والرجال والأطفال ، وشقوا بطون الحوامل ، وقتلوا الأجنة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لهذه الحادثة التي ا استطار شررها ، وعم ضررها ، وسارت في البلاد كالسحاب استدبرته الريح » . وقد هلك هذا الطاغية بالصين في شهر رمضان ( ٦٢٤ هـ ) ، ففرغت الأرض من أحد أكثر من وطأها شرا ودموية .

4- محمد علي باشا الكبير


وهو الطاغية الجبار المشهور ، والرجل الذي حقق للغرب في مصر ما فشل فيه نابليون نفسه بجيش الحملة الفرنسية ، بشهادة مؤرخي الغرب أنفسهم كأرنولد توينبي الذي قال : « كان محمد علي ديكتاتورا أمكنه تحويل الآراء النابليونية الى حقائق فعالة في مصر » ، وقال توينبي بأن محاولة محمد علي لصبغ مصر بالصبغة الغربية « أكثر شمولا من أي محاولة سعى إليها أو أنجزها السلاطين الأتراك » 

بل لم يجد المؤرخ والمستشرق الألماني كارل بروكلمان بدا من أن يقول « ليس من شك في أن الفضل يرجع إليه ، دون غيره ، في فتح أبواب مصر لمؤثرات الحضارة الأوروبية » 
 لقد كان محمد علي نكبة هائلة على مصر ، وغاية ما يقال في إنجازاته أنه أنشأ البنيان ودمر الإنسان ، واستطاع أن ينتزع الأوقاف فيجعلها تحت سيطرة   السلطة ما لم ينجح فيه الظاهر بيبرس في أوج الدولة المملوكية ، ولا استطاعه الولاة العثمانيون في عهد قوة الدولة . 

لحطم محمد علي أشراف مصر وزعمائها وعلمائها وكبار الرجال فيها ، وفتح البلاد للأجانب حتى هيمنوا عليها اقتصاديا ثم احتلوها عسكريا في عهد حفيده ، وهذا فضلا عما فعله بسائر المصريين الذين ساقهم بالسوط والتعذيب إلى معسكرات الجيوش ، وحرمهم من حمل السلاح فصيرهم عبيدا ، وحرمهم من امتلاك الأراضي فصيرهم خدما وفلاحين . 

 وفي عهد محمد علي فقط بدأ خراب المساجد ومدارس التعليم الديني ، واستوردت البلاد أفكار الأجانب المحتلين ، وللمرة الأولى في تاريخ مصر ه دخلها الإسلام ، يمكن أن تقرأ هذه العبارة التي كتبها المستشرق الإنجليزي ستانلي لين بول : « مساجد القاهرة لم يلحقها هدم أو تخريب في أيام حكم البكوات ( المماليك ) والباشوات ( العثمانيين ) ، بل على العكس من ذلك رأينا أن العناية بها كانت بالغة . وإنما بدأ عهد التهدم بمجيء محمد علي باشا »  . 

ولا يجد المرء في تقييم عصر محمد علي أدق ولا أبلغ من مقال الأستاذ الإمام محمد عبده ، والذي نشره باسم مجهول « مؤرخ » في ذكرى وفاة محمد علي وقد مات محمد علي في ( 13 رمضان سنة ١٢٦٥ هـ ) بعد أعوام من الخرف لم يعد يستوعب فيها من أمر نفسه وأمر البلاد شيئًا . 





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-