فتح القسطنطينية ( م 1453 \ 5 \ 29 )

 معركة القسطنطينية ؛ وفتحها على يد السلطان محمد الفاتح ، يحمل الكثير من الدلالات التاريخية ، والأبعاد الحضارية ، والعواقب السياسية والعسكرية ... نظراً لأهمية المدينة من ناحية دينية وحضارية وإستراتيجية ... لذا استحق السلطان محمد الثاني لقب " محمد الفاتح " وبجدارة . وهو من حول الدولة العثمانية من دولة فتية ؛ إلى إمبراطورية مترامية الأطراف ،  لقد تنافس الخلفاء والملوك والسلاطين على فتح هذه المدينة . ونيل ذلك الشرف .

 فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " لتفتحن عليكم القسطنطينية من بعدي ، فلنعم الأمير أميرها ونعم الجيش ذلك الجيش " . وقد حاصر المسلمون القسطنطينية إحدى عشرة مرة قبل محمد الفاتح . حاصرها معاوية بن أبي سفيان عام ( 654 ) . ويزيد بن معاوية ( 674 م )  وسفيان بن اوس ( 672 م ) زمن خلافة معاوية ، وحاصرها مسلمة زمن خلافة عمر بن عبد العزيز . وحاصرها الخليفة هشام بن عبد الملك ( 739 م ) . وحوصرت زمن خلافة هارون الرشيد.

لماذا أصر السلطان محمد الثاني على فتح المدينة ؟

1-كانت الدولة البيزنطية العائق الكبير امام احلام السلطان محمد الثاني في التوسع ، وانتهاج سياسة الفتح المستمر .

2- كون القسطنطينية مركزاً للمؤامرات ضد الدولة العثمانية والمسلمين  .

3- أهمية المدينة عالمياً : تأسست عام 330 م على يد الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الأول . وقيل عنها : " لو كانت الدنيا مملكة واحدة لكانت القسطنطينية أصلح المدن لتكون عاصمة لها " .

4- رغبة السلطان الطموح - ابن الواحد العشرين عاماً- في نشر الدين الإسلامي في أرجاء الإمبراطورية الرومانية.

 5- فتح القسطنطينية يعزز مكانة السلطان أمام شعبه . أرادها مقراً لمن يدعي حقه بالعرش العثماني .

6- كونها مدينة إستراتيجية ، وتشكل جسراً حيوياً يربط القسم الآسيوي بالقسم الأوروبي ،  وبوابة العبور إلى أوروبا .

7- تهديد الإمبراطور قسطنطين للسلطان محمد الثاني بإطلاق اليد للأمير ( أورخان ) - حفيد سليمان المطالب بالعرش ، إذا لم يضاعف الجزية التي كان يدفعها والده للبيزنطيين .

 استعداد السلطان محمد الثاني لفتح القسطنطينية


 خطوات السلطان العثماني لفتح المدينة كانت مدروسة بعناية كبيرة ، واستعدادات وتقنية محاطة بتصميم كبير ، ومفاجنات مثيرة للتقدير جمع العثمانيون 200,000 جندي ، و 300 سفينة حربية  ، بناء قلعة " روملي حصار " في الجانب الأوروبي على مضيق البسفور ، تقابلها القلعة التي أنشأها السلطان بايزيد في البر الآسيوي ، مما مكن العثمانيين من المراقبة والتحكم بعبور السفن من شرق البسفور إلى غربه ، حاول قسطنطين التفاوض لمنع بناء القلعة ، وكان رد السلطان : قطع رؤوس الرسل ، رسالة بإعلان الحرب ، فرض السلطان الحصار على المدينة ، واستمر ( 6 ابريل حتى 29 مايو 1453 م , 857 هـ ) ، أي 53 يوما  ، وكانت خلالها مناوشات ومقاومة شديدة من قبل المدافعين عن المدينة ، والبالغ عددهم 8500 مقاتل . 
المدافع العملاقة : قام المهندس المجري ( أوريان ) بتصميم العديد من المدافع ، وكان أهمها وأشهرها المدفع السلطاني ، والذي كان يزن مئات الأطنان ، ويحتاج إلى مئات الثيران لتحريكه  ، وقد بلغ طول المدفع تسعة عشر قدما ، وقطر الفوهة ستة وعشرين ، ووزن القذيفة نصف طن ، تصل إلى مسافة ميل  ، وسمع دويه على بعد ثلاثة عشر ميلا ، واستغرق بناؤه ثلاثة أشهر  ، وكان أحدث سلاح عرفه التاريخ وقتها . وكان لكل ذلك ؛ الأثر الكبير في فتح المدينة ، 
عقد معاهدات مع أعدائه لضمان حيادهم وقت الحرب ، مع المجر والبندقية ، مع أنهم أرسلوا بعض المساعدات وقت الحصار للمدينة  كانت السفن العثمانية تبحر برأ  بعد الفشل المتكرر للسفن العثمانية أمام السفن الغربية ؛ وخاصة أمام وجود سلسلة حاجزة ، قام السلطان بعرض فكرة حمل 70 سفينة برأ ، ونقلها إلى منطقة القرن الذهبي ، فتمت تسوية الأرض ، ووضعت الألواح الخشبية المدهونة بالزيت والشحم في طريقها لتسهل جرها وانزلاقها ، وكانت السفن خفيفة الوزن ، سحبت لمسافة 3 أميال ، وبعدها أنزلت في منطقة آمنة . 
كل هذا والعدو في غفلة ، وفي غضون بضع ساعات من عمق الليل .. أفاق أهل المدينة بعدها والسفن العثمانية تجثم على المعبر الماني ، حيث أضعف الأسوار ، ودب الياس بأهل المدينة ، وكتب أحد المؤرخين البيزنطيين : " ما راينا ولا سمعنا من قبل بهذا الشيء الخارق ، محمد الفاتح يحول الأرض إلى بحار ، وتعبر سفنه فوق قمم الجبال "  كانت هذه الخطوة مفاجئة لتحسين مواقع العثمانيين ، وتعزيز الأسطول العثماني ، وخاصة بعد أن قام السلطان بعزل قائده بسبب إخفاقه في تدمير السفن الأوروبية والبيزنطية . 

الحرب النفسية : من خلال المحاولات العديدة لتسلق أسوار المدينة الشاهقة ، والقصف المدفعي الكثيف الذي لم يتوقف ليل نهار ، واستعمال القلاع الخشبية المتحركة من ثلاثة أدوار ، مليئة بالرجال ، تلتصق بالسور ، وتقاتل حفر الأنفاق تحت الأرض ، حتى أصبح أهل المدينة يتوهمون ظهور الأتراك عن يمينهم وشمالهم ... وكانت هذه الخطة فشلت بسبب تصدي أهل المدينة لهم بالنفط والنيران ، وأسر بعضهم .

 فشل المفاوضات  أراد السلطان دخول المدينة بسلام ، فأرسل إلى قائد المدينة رسالة مفادها : " فليسلم لي إمبراطوركم مدينة القسطنطينية ، وأقسم أن أحفظ الأعراض الأموال ، ومن شاء بقي في المدينة ، وكان في أمن وسلام " .

 أما الإمبراطور البيزنطي ؛ فقد أقسم على الدفاع عن المدينة وعن عرشه حتى الموت . فزاد قصف المدينة بالمدافع . ومن كثرة القصف ؛ انفجر المدفع العملاق ، وقتل المشغلون له ، وعلى رأسهم المهندس المجري أوريان ، فأمر السلطان بإجراء عمليات تبريد للمدافع بزيت الزيتون  .

 استعدادات القسطنطينية وحالها 



1-التعبئة الدينية .
2- تحصين الأسوار .
3- طلب المساعدات من أوروبا . طلب العون من البابا ، والاستعداد لتوحيد الكنيستين .
4- تناقص بالمؤن وقلة عدد المدافعين . 
5-الاستبسال في الدفاع عن المدينة .
6- وصول مساعدات قليلة جداً . 
7-تبعثرت جهود المدافعين عن المدينة لكثرة الجبهات التي فتحت عليهم .

 سقوط المدينة 1453 \ 5 \ 29 

أمر السلطان بهجوم كاسح من البر والبحر ، وقصف بالمدافع على المدينة ، وتم إحداث ثغرة في الأسوار ، ونجح قسم منهم في تسلق الأسوار ، ورفعوا الأعلام العثمانية . أصيب قائد المدافعين جستنيان بجراح بليغة ، فانسحب ، وتولى القيادة الإمبراطور بنفسه ( قسطنطين ) لشحن الروح المعنوية لدى جنده.
 قتل الإمبراطور بضربة سيف في جبهته ورقبته  ، وقد حاول التنكر ، فخلع ملابسه ، ونزل عن حصانه يقاتل كي لا يعرفه العثمانيون  ، وسمعه أحد جنوده بتضرع إليه أن يجتز رأسه كي لا يمثل العثمانيون بجثته ، وقد عثر على جثته دون الرأس ، وفي قدميه حذاء رسم عليه نسر برأسين ، فكانت جثة قسطنطين الحادي عشر آخر أباطرة الرومان  ، مما أوهن من معنويات مقاتليه ، وتدفق الجند العثمانيون الذين اعملوا السيف في جميع من حاربهم ، ودخلوا كنيسة آيا صوفيا ، حيث كان البطريق يصلي ومعه العديد من أهالي المدينة .

 دخل محمد الفاتح إلى كنيسة آيا صوفيا ، وأمر بتحويلها إلى مسجد ، ثم أمر بإقامة مسجد على ضريح الصحابي أبي أيوب الأنصاري ، وكان ضمن الحملة الأولى على القسطنطينية  .
 أطلق السلطان على القسطنطينية اسم " إسلام بول "  أي دار الإسلام ثم حرف هذا الاسم ليصبح " استانبول "  لم يكن هذا الفتح بالهين كما أشار المؤرخ الفرنسي ( كارادي في carradevaux )  إن هذا الفتح لم يتيسر لمحمد الفاتح اتفاقاً ، ولا تيسر بمجرد ضعف الدولة البيزنطية ، بل كان السلطان يدبر التدابير اللازمة من قبل ، ويستخدم له ما كان في عصره من علم " 

 أبعاد المعركة :

 1- وقع خبر سقوط القسطنطينية كالصاعقة على العالمين الإسلامي والمسيحي . أمر السلطان محمد الفاتح بدفن الإمبراطور المقتول قسطنطين كما يليق بمكانته  .
2- عامل محمد الفاتح أهل المدينة معاملة ممتازة ؛ وخاصة رجال الدين ، ولم يمس بعقائدهم ، بل زاد من صلاحياتهم في النظر في القضايا المدنية ، وأمرهم بانتخاب بطريرك جديد  .
3- اجتهد في إعادة إعمار المدينة وترميمها . وإعادة السكان الفارين منها بإسقاط الجزية عنهم ، وأطلق سراح الأسرى بعد أن دفع لهم الفدية ، حتى عمت المدينة بالناس ، إما بالتطوع أو بالقوة.
4- قام السلطان برفع راية الجهاد إلى الأناضول وأوروبا  .
5- رأى محمد الفاتح بنفسه الوريث الوحيد للإمبراطورية الرومانية الشرقية . تم نقل العاصمة من " أدرنه " إلى القسطنطينية  تدفق المسلمون إلى العاصمة الجديدة كي ينعموا بالمزايا والامتيازات الخاصة أصبحت القسطنطينية المركز العسكري الأول في العالم الإسلامي.
6- تحول السلطان محمد الفاتح إلى إمبراطور وفاتح وبطل إسلامي 
7-القضاء على الأسر القوية بعد إعدام الوزير الأعظم " جاندرلي خليل باشا " ؛ بسبب دوره في تمرد للانكشارية لخلع السلطان  ، واتهامه في التخاذل خلال الحصار ، والتأثير على السلطان للعودة وترك القسطنطينية ، بعد قتله أصبحت جميع خيوط القوة بيد السلطان ،أصبح محمد الفاتح نموذجاً إسلامياً يحتذى به ؛ يجمع بين السياسة والعسكر والعلم والدين  فإعداد القادة العظماء لا يأتي طفرة أو اعتباطأ ، بل هو عملية شاقة وطويلة وشاملة ، دينيا ودنيويا ، فكريا وحركيا ، بدنيا وروحيا , وعلميا .. تربي محمد الفاتح منذ نعومة أظافره على معاني البطولة والجهاد والقيادة والصلاح . 
8- اتحاد القسمين الجنوبي والشمالي الأسيوي والأوروبي للإمبراطورية العثمانية .
9- أصبحت القسطنطينية قاعدة للأعمال العسكرية في الشرق والغرب  يرى البعض أن احتلال القسطنطينية كان بداية انحسار المد العثماني .
10- فتح المد ينة أدى إلى دخول الملايين من سكان أوروبا الإسلام في البوسنة والهرسك والصرب وبلغاريا وفتح بلاد واسعة وخضع له العالم الإسلامي بأسره .
11- مات محمد الثاني في ( 3 مايو 1481 م ) ( 4 ربيع الأول 286 هـ ) في اسكندرا في معسكره بين جنده , كان يعد لحملة عسكرية كبيرة يكتم اتجاهها حتى عن أعز قادته العسكريين فعم الحزن الأتراك والعالم الإسلامي  .

فتح القسطنطينية قمة الفتوحات الإسلامية 

 

  نظرا لمكانتها الدينية والسياسية والعسكرية والحضارية ، ووقوفها حاجزا أمام المد الإسلامي الهادر في أوروبا الشرقية والغربية ، ووقفها موقف العداء اتجاه العثمانيين من خلال التأليب ضدها ، وتجنيد الحملات الصليبية ، وإيواء مدعي العرش .. هذه الأمور ؛ إضافة للحماس الديني من قبل السلطان الشاب محمد الفاتحة وإلمامه في التاريخ والجغرافيا والفنون العسكرية واللغات المختلفة .. في نفس الوقت ؛ الوهن الذي أصاب الإمبراطورية البيزنطية ، وعزلتها الدينية والسياسية ، وضعفها العسكري .. قلم يكن بها سوى 8500 مدافع ، مع أن عدد سكانها بلغ وقت سقوطها ( 300,000 ) . ولم يكن الوصول إلى المدينة بالأمر الهين ، نظرا لتصميم الإمبراطور ورجال الدين على القتال حتى آخر رمق . وفعلا ؛ قتل الإمبراطور ، وقطع رأسه وهو يقاتل خلف أبواب الأسوار المدينة عاندت الفاتح ، فاستعمل جميع فنون القتال المعروفة في عصره ، وابتكر العديد منها مثل :
 المدفع العملاق ، والقلاع المتحركة ، ونقل السفن من البر إلى البحر في جنح الظلام ، وتبريد المدافع ، وحفر الإنفاق .. وقتل واستشهد العديد من الجنود الأتراك ، ولم يتراجع السلطان محمد الفاتح أمام صمود البيزنطيين واستسلامهم ، أو تخوف وزرائه ، بل ضاعف الجهدة وراقب حركة الجيش عن كثب ، وبث روح التضحية والفداء بين جنده . وكان الأوروبيون قد رسموا صورة قائمة عن الأتراك : بأنهم متوحشون مثل المغول ، ولكن معاملتهم لأهل المدينة بددت هذه الصورة ، فقد عاملوهم معاملة حسنة ، بالحث على العودة ، ومنح العفو ، ومنع ارتكاب المجازر ، وترميم المدينة التي أرهقها القتال والقصف ، ودفن جثة الإمبراطور البيزنطي بجنازة مهيبة وموضع يليق به .. تشجيع العلم والصناعة .






حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-