شاهات ايران

 شاهات ايران 

[1135 - 1344هـ = 1722 - 1925م]. 

  الأفاغنة

 تمرد الأفغانى «محمود بن ميرويس» ورفع راية العصيان على «الدولة الصفوية» فى عهد الشاه الصفوى «حسين الأول»، فلما لم يجد هذا الرجل من يأخذ على يديه ويوقف عصيانه؛ تمكن من الاستيلاء على مدينتى «هراة» و «مشهد»، وهما من أهم مدن دولة الصفويين، ولم يكتفِ بذلك: بل استولى على العاصمة «أصفهان» فى سنة (1135هـ = 1722م)، فدخلت دولة الصفويين فى طور السقوط والانهيار النهائى، وتحولت من دولة كانت تتمتع بالنفوذ والسطوة والهيبة فى عهد «عباس الأول» ومَن سبقوه، إلى هيكل ضعيف لاحول له ولا قوة، وظهرت إلى جانبها قوى أخرى جديدة وفتية سلبتها حق التمتع بإمكاناتها وممتلكاتها، وسلبت حكامها حق الانفراد بحكم البلاد. 

 أقام الأفغانيون دولتهم على ما سلبوه من أراضى الدولة الصفوية، وكان أول حكامهم هو «محمود بن ميرويس» الذى حكم فى (11من المحرم عام 1135هـ = 1722م)، وقُتل فى سنة (1137هـ = 1725م)، فخلفه «أشرف بن عبدالله» فى الحكم، وظل به حتى عام (1142هـ = 1729م)، ثم ظهر الأمير الأفغانى «آزاد خان» مطالبًا بالحكم فى «أصبهان» فى سنة (1166هـ = 1753م)، وتم له ما أراد، وظل فى الحكم حتى سنة (1169هـ = 1756م). 

 الأفشارية 

لم يستمر حكم الأفاغنة طويلا؛ إذ استعان الشاه «طهما سب الثانى» - على دفع تهديد الأفغان- بالقوى المحيطة، فأسرعت «روسيا» إلى مساعدته فيما طلب، نظير السماح لها بدخول «استراباد»، وهكذا تمكن الروس من وضع أقدامهم فى هذه المناطق. 

 ثم ظهرت قوة جديدة حكمت فى الفترة من سنة (1148هـ = 1736م) إلى سنة (1210هـ - 1796م) عرفت باسم الأفشارية، واستطاع «نادر شاه الأفشارى» أن يقضى على حكم الأفغان، ويخلع الشاه «طهماسب الثانى» ويسجنه مع طفله الرضيع «الميرزا عباس الثالث»، ثم أعلن تتويجه ملكًا على «إيران» فى سنة (1148هـ = 1736م)، وظلت أسرته تحكم أكثر من ستين عامًا، أى إلى سنة (1210هـ = 1796م)، وقد اتسم حكم «نادر شاه» بالسطوة والعنف ضد الرعية، مما أسرع بقتله على يد أحد ضباطه، فأدى ذلك بدوره إلى ظهور «الزنديين»، وأصبح زعيمهم «محمد كريم خان» شاه «إيران» فى سنة (1163هـ = 1750م)، ولكن هذه الأسرة لم تستطع مد نفوذها إلى «خراسان» التى كانت فى قبضة «شاه رخ» الأفشارى، وبقيت هذه الأسرة الزندية فى الحكم مدة خمسين عامًا، حتى قُتل آخر حكامهم «لطف على» على يد «آقا محمد القاجارى» فى الرابع عشر من المحرم عام (1211هـ = 1799م)، فظهرت الأسرة القاجارية. 

الاسرة القاجارية 

 هى إحدى الأسر المغولية، وانتشر أفرادها فى البلاد الإسلامية، وأقاموا بصفة خاصة بأرمينية، واقتصر دورهم فى عهد الشاه «إسماعيل الأول الصفوى» على تقديم العون إلى الصفويين، حيث اتخذ منهم جنودًا لمواجهة شر القبائل المهاجمة لحدوده، فازدادوا بذلك قوة ونفوذًا، ثم استطاع «آقا محمد خان» توحيد فروع قبيلته بالقوة والعنف حتى تمكن من الاستيلاء على «طهران» فى سنة (1193هـ = 1779م)، ثم أقام «الدولة القاجارية»، وأصبح أول ملوكها، وأطلق على نفسه لقب ملك «إيران» فى عام (1211هـ = 1796م)، وقضى على «الزنديين»، وحقق السيطرة الكاملة على «إيران» و «جورجيا»، ثم خلفه «فتحعلى شاه» فى الفترة من (1212هـ = 1797م) إلى (1250هـ = 1834م)، وامتاز عصره بالهدوء النسبى، وإن تخللته بعض الاضطرابات والمشاكل السياسية. 

 العلاقات الخارجية: دفع الأفاغنة «الشاه طهما سب الثانى الصفوى» إلى الاستعانة بروسيا، وإلى عقد معاهدة مع قيصرها «بطرس»، وتخلت «إيران» بموجبها رسميا عن «دربند»، و «باكو»، والسواحل الجنوبية لبحر «مازندران» حتى «استراباد»، فتحقق لروسيا حلم الوصول إلى هذه المناطق، وأطمعها ذلك فى شمال البلاد حين نشب الصراع على السلطة بين الصفويين والأفاغنة، ولعل ذلك هو الذى دفع العثمانيين إلى الهجوم على بلاد «الكرج». 

 ثم أسس «نادر شاه الأفشارى» دولته بإيران، وبذل جهودًا مضنية للقضاء على الانقسام القائم فى الجزء الشرقى من العالم الإسلامى، وأعلن المذهب السنى مذهبًا رسميا للبلاد؛ عوضًا عن المذهب الشيعى، واضطهد زعماء الشيعة، ولكن محاولاته وجهوده هذه لم تسفر عن نتائج قاطعة، فقام بتوسعات وفتوحات كثيرة، ودخل «دلهى» ونهب قصورها، وضم «جزيرة البحرين» إلى «إيران» فى عام (1151هـ = 1738م)، ثم مضى إلى فتح «العراق» فى سنة (1156هـ = 1743م). 

 لم تسفر حروب «نادر شاه» الخارجية عن فائدة فعلية لشعبه، بل على العكس من ذلك، فقد قاد جيوشه من أقصى الشرق إلى الغرب، وحمَّل الشعب أعباء الإنفاق على هذه الجيوش، فى حين كان من الممكن أن يصرف هذا الإنفاق على تنمية البلاد ورفاهية هذا الشعب.

استطاع «أقا محمد القاجارى» أن يسيطر على كل «إيران» و «جورجيا»، ثم خلفه ابن أخيه «فتحعلى شاه»، فأقامت «إيران» فى عهده علاقات سياسية مع الدول الأوربية، وعقد فى سنة (1222هـ = 1807م) معاهدة تحالف مع «فرنسا»، ولذا كان من المتوقع أن تسمح «إيران» لنابليون بونابرت بالمرور عبر طريقها البرى للوصول إلى «الهند» فى مقابل أن تمد فرنسا «الدولة القاجارية» بالأسلحة، ومدربى الجيش، لكى تتمكن «إيران» من التصدى لروسيا القيصرية التى استولت على «جورجيا» فى عام (1216هـ = 1801م)، ولكن الأمور لم تسر وفق ما كان متوقعًا، فقد اتفق «بونابرت» مع «روسيا»، ووقع الروس والإيرانيون معاهدة «كلستان» فى عام (1229هـ = 1813م)، واعترفت «إيران» بموجب هذه المعاهدة بحق ملكية «روسيا» لجورجيا، ومع ذلك لم تستقر الأوضاع، ودخلت «إيران» فى سلسلة من الحروب مع «روسيا»؛ التى استولت على «تبريز»، وفرضت على «إيران» غرامة مالية، بموجب معاهدة «تركمان جاى» التى عُقدت فى سنة (1244هـ = 1828م)، فضلا عن تنازل «إيران» عن إقليمى «إريوان» و «نخجوان» لروسيا، ووضع «بحر قزوين» تحت الرقابة الحربية الروسية، فباتت «إيران» بين شقى رحى فى علاقاتها الخارجية مع «روسيا» التى تعمل على التوسع فى «آسيا» على حساب ولايات «إيران» الشمالية للوصول إلى مياه الخليج الدافئة، و «بريطانيا» التى تعمل على تأمين الطريق إلى مستعمراتها فى «الهند» من خلال السيطرة على «الخليج الفارسى»، والأراضى المجاورة للهند. 

 وجدير بالذكر أن خمس عشرة دولة أجنبية حصلت على امتيازات لرعاياها فى «إيران» فى النصف الأخير من القرن التاسع عشر الميلادى، ثم امتلأت «إيران» بالأجانب فى عهد «ناصر الدين شاه القاجارى»، فى الوقت الذى تزايد فيه نفوذ رجال الدين الشيعة، لسيطرة مذهبهم الشيعى على كل «إيران»، وكذلك على حكامها. 

 وقد شهد الربع الأول من القرن العشرين تطورًا فى سياسة «إيران» الخارجية، حيث عقدت مع «روسيا» فى عام (1340هـ = 1921م) معاهدة صداقة، أُلغيت بمقتضاها جميع المعاهدات السابقة التى كانت تضر بالمصالح الإيرانية، وأسقطت «روسيا» بموجبها ديون «إيران» التى لم تُسدد من قبل، وتنازلت عن امتيازاتها وممتلكاتها فى «إيران» مثل: خط السكة الحديدية، وخطوط البرق، ولعل الذى دفع «روسيا» إلى التنازل عن كل ذلك هو خوفها من محاولات «بريطانيا» للتدخل فى شئون «إيران» ووضعها تحت سيطرتها. 

 مظاهر الحضارة فى إيران

 كان لموقع «إيران» الجغرافى أهميته البالغة - ومازالت - فى تحقيق أسباب حضارتها ومدنيتها؛ حيث إنها المعبر البرى بين الشرق والغرب، وقد حقق لها ذلك مزية الرواج التجارى، ونقل الثقافات، والاستفادة من خبرات الآخرين، وفى الوقت نفسه جرَّ عليها الأطماع. 

 وقد تحملت «إيران» العناء والخراب والدمار الذى لحق بها وبمواطنيها - منذ القدم - بسبب موقعها الجغرافى، ومع ذلك لا يمكن لأى مؤرخ منصف أن ينكر دور «إيران» الحضارى فى الثقافة والفنون والتقاء الحضارات المتعددة وتمازجها. 

 ومن الحقائق الثابتة أن الحكم الإيرانى قد تأسس على السلطة المطلقة للملك، الذى كان يسانده مجموعة من الإقطاعيين أُُطلق عليهم لقب «الولاة»، نظرًا لمساحة الأراضى الشاسعة، فكان كل واحد من هؤلاء «الولاة» ينوب عن الملك فى حكم إحدى مقاطعات البلاد، وله حق توريث الولاية من بعده، فنشأ نظام «الأسر الإقطاعية» التى زادت سطوتها، واتسع نفوذها، وقاد أمراؤها حركات التمرد على الشاه الموجود فى العاصمة، كما قاموا بالحركات الانفصالية، التى كان لها من السند والقوة ما يحول دون إمكانية القضاء عليها، ولعل هذه الأوضاع هى التى أوجدت الثراء الفنى والثقافى، فى طول البلاد وعرضها، وعملت على تنوعه وتعدد اتجاهاته.

شاهات ايران-التاريخ





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-