الدولة الغزنوية

 الدولة الغزنوية 

[351 - 582 هـ = 962 - 1186 م]. 

 النشأة والتكوين 

اعتمد السامانيون على الأتراك فى صفوف الجيش، وفى تولى المناصب الكبيرة فى «الدولة السامانية»، فعلا شأن الأتراك، وازداد نفوذهم، ويعد «البتكين» الذى ولى منصب صاحب الحجاب للأمير «عبدالله بن نوح» (343 - 350هـ = 954 - 961م) أبرز الشخصيات التركية فى بلاط السامانيين، وبلغ من نفوذه أن خشى الأمير «عبدالله بن نوح» منه على ملكه فأبعده عن العاصمة، وأسند إليه ولاية «خراسان» فى عام (349هـ = 961م). 

 ولما تولى «منصور بن نوح» الإمارة خلفًا لأخيه «عبدالله» الذى توفى سنة (350هـ = 961م)؛ تمرد عليه «البتكين» فى «خراسان»، وأرسل جيشًا لمحاربته والقضاء على تمرده، وأسند «خراسان» إلى «أبى الحسين سيمجور»، فتوجه «البتكين» إلى «غزنة» واستولى عليها من حاكمها السامانى، وأسس بها إمارة مستقلة عن السامانيين، ثم جعلها مركز حكمه وعاصمة دولته المناهضة للدولة السامانية. 

 حاول الأمير «منصور» جاهدًا أن يقضى على تمرد «البتكين» فى غزنة، ويوقف تأسيس دولته المناهضة، لكن جهوده جميعها باءت بالفشل. 

 الوضع الداخلى 

لم يتمكن «البتكين» أول حكام «الدولة الغزنوية» ومؤسسها من ترسيخ دعائم دولته الجديدة، فقد وافاه أجله فى سنة (352هـ)، بعد عام واحد تقريبًا من توليه الحكم، ثم خلفه ابنه «إسحاق»، ثم غلامه «بلكانين» - من بعده - ولكنهما لم يتمكنا من تحقيق ذلك، فلما ولى «سبكتكين» أمور الدولة سنة (366هـ)، تمكن بهمته العالية وحسن سياسته أن يبسط نفوذه ويُوطد دعائم دولته، ويحقق لها ما لم يقدر عليه سابقوه، فعُدَّ المؤسس الفعلى لها. 

 ويُعد «محمود الغزنوى» -الذى ولى الحكم فى الفترة من سنة (388هـ) إلى سنة (421هـ) - من أكبر الشخصيات فى التاريخ الإسلامى وأشهرها، إذ قاد الجيوش والحملات والفتوحات من أجل نشر الدين الإسلامى بالهند، ونزل من أعالى «إيران الشرقية» إلى «هندوستان»، ثم واصل جهاده حتى بلغ حدود «كشمير» و «البنجاب»، وغزا «سومنات» ومنها إلى «كجرات»، ثم استولى على بلاد «الغور» فى عام (401هـ= 1010م)، وأخضع مناطق «ما وراء النهر»، ومدينتى «بخارى» و «سمرقند» لحكمه، فلقبه المؤرخون بلقب «مكسر الأصنام»، كما كان أول من تلقب بلقب السلطان من أمراء المسلمين. 

 وأضحت مدينة «غزنة» فى عهده منارة للعلم، ومقصدًا للعلماء، ووفد عليها أشهر أدباء هذا العصر أمثال الشاعر «الفردوسى»، وأصبحت عامرة بالمساجد والسدود والأبنية الخيرية، التى لا تقل بهاءً وجمالا عن المنشآت الهندية التى اشتهرت بدقة التصميم وجمال العمارة. 

 وتُوفى السلطان «محمود» فى عام (421هـ = 1030م)، بمدينة غزنة. 

 وفى سنة (556هـ = 1161م)، أسقط الغوريون «غزنة» وسيطروا عليها، ولم يستطع أحفاد السلطان «محمود الغزنوى» الصمود أمام هجمات الغوريين، ولم يتمكنوا من استعادة عاصمة بلادهم، فسقطت «الدولة الغزنوية» فى سنة (582هـ = 1186م). 

 العلاقات الخارجية

أقام الغزنويون علاقات عديدة مع كل الدول المحيطة والمجاورة، وبصفة خاصة مع «هندوستان»، وتجدر الإشارة إلى أن حكم المسلمين لبلاد «الهند» بدأ مع خروج الحملات الغزنوية لفتحها؛ إذ اتخذت هذه الحملات من «لاهور» مقرا لها، ومركزًا لنشر الدعوة الإسلامية، فلما ورث الغوريون دولة الغزنويين، تولوا سلطنة «دهلى»، وواصلوا الطريق، ونشروا الدين، وبسطوا نفوذ المسلمين على كل بلاد الهند الشمالية. 

 ولعل فتوحات السلطان «محمود الغزنوى» بالهند قد بلغت مدى لم تبلغه أية قوة إسلامية بعده، فكان له فضل نشر الدعوة، ودخول أعداد كثيرة فى دين الله، فأعز الله به الإسلام، وأعلى كلمة التوحيد فى هذه البلاد. 

 المظاهر الحضارية فى الدولة الغزنوية

ضمَّت أراضى «الدولة الغزنوية» عناصر وأجناسًا سكانية متعددة، شملت الأتراك والفرس واليهود والنصارى وغيرهم، واعتمد الغزنويون على الأتراك فى بلاطهم، وأكثروا منهم فى الجيش، فزاد نفوذهم، كما زاد نفوذ الفرس فى جوانب الثقافة والأدب والعلوم والاقتصاد، ونهضت الدولة فى هذه المجالات بفضل جهودهم، ولذا فقد اهتم الغزنويون بإحياء أعيادهم والاحتفال بها، إلى جانب الاحتفال بأعياد المسلمين كعيدى الفطر والأضحى، على أن هذه الاحتفالات كانت تتوقف فى المناسبات الحزينة التى تمر بالدولة، مثلما حدث فى عيد الأضحى سنة (341 هـ = 1039م)، حين ألغى السلطان «مسعود الغزنوى» الاحتفال به، بسبب الهزيمة التى منيت بها الدولة أمام السلاجقة، وكانت المجاملة من الأمور التى حرص عليها الشعب الغزنوى فى المناسبات مثل: استقبال وفود الخليفة إلى السلطان وتوديعهم، أو تنصيب السلطان، أو تعيين وزير، أو صاحب منصب كبير، وكان الشعب يتسابق فى تقديم الهدايا فى هذه المناسبات، كما كان من عاداته ارتداء البياض رمزًا للحزن فى مناسبات الحداد.



ومن المؤكد أن السلاطين الغزنويين قد عاشوا حياة مترفة، أنبأتنا بها قصورهم الفخمة، ومواكبهم المهيبة، وكذلك مظاهر الزينة والأبهة التى تناقلتها ووصفتها مصادر المؤرخين ومراجعهم، ويتجلى هذا الترف فى المواكب السلطانية وحفلات الزواج، ومراسم تولية السلطان أو تنصيب الوزير. 

 ولم يغفل الغزنويون الترفه بأنواع التسلية، فكانت المصارعة وحمل الأحجار الثقيلة، والمبارزة، والصيد، من أنواع الرياضة التى اهتم بها أمراء البيت الحاكم، وكان السلطان «مسعود» - قبل أن يلى السلطة - يهتم بهذه الرياضة ويقول: «ينبغى التعود على مثل ذلك؛ حتى لا يعجز المرء إذا قابلته مهام صعاب، أو ساعات شداد»، ولذا كان يبارز الأسود وهو جالس على ظهر فيل، ولا يسمح لأحد بمساعدته فى ذلك، وكان الصيد يتم - أحيانًا - بواسطة الفهود والكلاب، وكانت التسلية المفضلة عند الشعب الغزنوى هى ركوب السفن فى بعض الأنهار. 

 النهضة الثقافية فى الدولة الغزنوية: ولعل أبرز ما يميز «الدولة الغزنوية» عن مثيلاتها من الدول المستقلة فى شرق العالم الإسلامى هى نهضتها الثقافية، التى ازدهرت على أيدى أمرائها الذين قدَّروا رجال الأدب، وعملوا على تشجيعهم والعناية بهم، فقد كان كل أمير يريد أن يحيط نفسه برجال العلوم والفنون؛ ليتفوق على أقرانه، وبرزت «غزنة» فى أواخر القرن الرابع الهجرى كمركز إشعاع كبير فى جنوبى غرب «آسيا»، بفضل تشجيع السلاطين الغزنويين الذين لم يألوا جهدًا فى سبيل رفع شأن العلوم والفنون فى دولتهم، واستطاع السلطان «محمود الغزنوى» أن يضم إليه رجال العلم والأدب الذين كانوا يحيطون بأمراء البلاد المجاورة، وزيَّن «غزنة» بأجمل ما حصل عليه من مغانم «الهند»، وأعاد تشييد مسجدها الجامع، وأضاف إليه مدرسة كبيرة، ووضع بها مؤلفات وتصانيف نقلها من خزائن الملوك السابقين فى العلوم كافة، ليقوم علماء «غزنة» وفقهاؤها بدرسها وتدريسها. 

 وجدير بالذكر أن السلطان «محمود بن سبكتكين» كان مولعًا بعلم الحديث، ويستمع إلى علمائه، ويستفسر عما يتلونه عليه من أحاديث، وكان يستدعى إلى «غزنة» كل من له سعة فى العلم والأدب والشعر، مثل «بديع الزمان الهمذانى» صاحب فن المقامات، قال عنه «الثعالبى»: «إنه معجزة همذان، وغرة العصر، كان ينشد القصيدة إذا سمعها مرة واحدة، ويترجم ما يستمع إليه من الأبيات الفارسية المشتملة على المعانى الغريبة إلى الشعر العربى، فيجمع فيها من الإبداع والإسراع». 

 ومنهم أبو ريحان محمد بن أحمد البيرونى (362 - 440هـ) الذى يعد من أعظم رجال الحضارة الإسلامية وأبرزهم، وقد نال تقديرًا علميا كبيرًا، وترجمت كتبه إلى اللغات الأوربية، وسمَّت روسيا جامعة حديثة باسمه وأقيم له تمثال فى جامعة موسكو، وأصدر اليونسكو وبعض جامعات أمريكا وألمانيا فهارس بأعماله. 

 وكذلك ظهر عشرات العلماء والفقهاء والشعراء فى «الدولة الغزنوية»، وبلغ اهتمام الغزنويين بالنهضة الثقافية والعلمية مدى كبيرًا تفوقت به على مثيلاتها؛ لدرجة أنها كادت تتفوق على «بغداد» مركز الإشعاع الثقافى فى العالم الإسلامى.

الدولةالغزنوية-التاريخ







حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-