خلافة عثمان بن عفان 24 - 35

   خلافة عثمان بن عفان 24 - 35 

نسبه 

هو «عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف»، ولِد بعد «عام الفيل» بست سنوات (576م)، وأمه «أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس»،فعثمان يلتقى فى نسبه من جهة أمه وأبيه مع النبى - صلى الله عليه وسلم - فى «عبدمناف». 

 صفاته

 كان ربعة من الرجال، ليس بالقصير ولا بالطويل، حسن الوجه أبيض مشربًا بحمرة، غزير الشعر يكسو ذراعيه شعر طويل، طويل اللحية، ومن أحسن الناس ثغرًا. 

 أخلاقها

أجمعت المصادر التى أرخت له على وصفه بسماحة النفس، ورقة المشاعر، وكان رضى الخلق، كريمًا، شديد الحياء، صوَّامًا قوَّامًا، محبوبًا من الناس فى جاهليته وإسلامه. 

 وتحدث هو عن نفسه فقال: لقد اختبأت لى عند ربى عشرًا، إنى لرابع أربعة فى الإسلام، ولقد ائتمننى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابنته - رقية - ثم توفيت، فزوجنى الأخرى - أم كلثوم - ووالله ما سرقت ولا زنيت فى جاهلية ولا إسلام قط ولا تغنيت، ولا تمنيت ولا مسحت فرجى بيمينى منذ بايعت رسول الله، ولقد جمعت القرآن على عهد رسول الله، ولا مرت بى جمعة منذ أسلمت إلا وأنا أعتق فيها رقبة، فإن لم أجد فيها رقبة أعتقت فى التى تليها رقبتين. 

 إسلامه: أسلم «عثمان» مبكرًا، وكان الذى دعاه إلى الإسلام هو «أبو بكر الصديق»، وجاء به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم على يديه بعد إسلام «أبى بكر» مباشرة، ولذا كان يقول: «إنى لرابع أربعة فى الإسلام بعد «أبى بكر» و «خديجة» و «زيد بن حارثة»، وحرص عثمان على إسلامه أشد الحرص، على الرغم من الضغوط التى تعرض لها، فعندما علم عمه «الحكم بن أبى العاص» بإسلامه أوثقه بالحبال، وقال له: «ترغب عن دين آبائك إلى دين محدث؟ والله لا أدعك حتى تدع ما أنت فيه» فأجابه «عثمان»: «والله لا أدعه أبدًا ولا أفارقه». 

 مصاهرته للرسول - صلى الله عليه وسلم -
 تزوج «عثمان بن عفان» من ابنتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتزوج «رقية»، وظلت معه حتى تُوفيت يوم انتصار المسلمين فى غزوة «بدر»، ولهذا لم يحضر «عثمان» «بدرًا»، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمره بالبقاء معها لتمريضها، وقد عده النبى - صلى الله عليه وسلم - من البدريين رغم غيابه عن المعركة، وفرض له فى غنائمها، ثم زوجه النبى - صلى الله عليه وسلم - ابنته «أم كلثوم»، ولهذا لُقب بذى النورين، فلما توفيت فى العام التاسع من الهجرة؛ حزن «عُثمان» حزنًا شديدًا؛ لانقطاع مصاهرته للنبى - صلى الله عليه وسلم -، فواساه مواساة رقيقة قائلا: «لو كانت لنا أخرى لزوجناكها يا عثمان». 

 عثمان مع النبى - صلى الله عليه وسلم -: جاهد «عثمان بن عفان» منذ أن أسلم مع النبى - صلى الله عليه وسلم - بماله ونفسه، فهاجر الهجرتين: إلى «الحبشة» وإلى «المدينة»، وصاحبته زوجه رقية بنت النبى - صلى الله عليه وسلم -، وتحمل كثيرًا من الأذى. 

 بذل «عثمان» ماله فى سبيل الله ونصرة دعوته، وكان من أكثر «قريش» مالا، فاشترى «بئر رومة» باثنى عشر ألف درهم، وجعلها للمسلمين فى «المدينة»، وكانوا يعانون من قلة المياه، وغلاء أسعارها. 

 كما أنفق ماله فى تجهيز الجيوش وبخاصة جيش العسرة فى غزوة «تبوك» فى العام التاسع من الهجرة، فقد جهز وحده ثلث الجيش، وكان عدده نحو ثلاثين ألفًا، فدعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخير، وقال: «ماضر عثمان مافعل بعد اليوم»، قالها مرتين. 

 وشهد «عثمان» المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عدا غزوة «بدر»، فقد تخلف عنها بأمر من النبى - صلى الله عليه وسلم -، وأرسله النبى إلى «مكة» عام «الحديبية» لمفاوضة «قريش»، بعد اعتذار «عمر بن الخطاب» لرسول الله بقوله: «إنى أخشى على نفسى من «قريش» لشدتى عليها وعداوتى إياها، ولكنى أدلك على رجل أمنع وأقوى بها منى، عثمان بن عفان». 

 ولما أشيع أن «قريشًا» قد قتلت «عثمان»، قال النبى - صلى الله عليه وسلم -: «لو كانوا فعلوها فلن نبرح حتى نناجزهم»، وبايعه أصحابه «بيعة الرضوان» تحت الشجرة، وبايع النبى نفسه نيابة عن «عثمان»، وقال: «إن عثمان بن عفان فى حاجة الله وحاجة رسوله» وضرب بإحدى يديه على الأخرى مشيرًا إلى أن هذه بيعة «عثمان»، فكانت يد النبى - صلى الله عليه وسلم - لعثمان خيرًا من أيديهم لأنفسهم. 

 وكان من كُتاب الوحى كما هو معلوم. 

 ثناء النبى - صلى الله عليه وسلم - على عثمان

 الأحاديث الواردة فى فضل «عثمان بن عفان» وثناء النبى عليه كثيرة، من ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أستحى من رجل تستحى منه الملائكة؟». 

 وكان عثمان بن عفان قريبًا من الخليفتين، «أبى بكر الصديق» و «عمر بن الخطاب»، وموضع ثقتهما وأحد أركان حكومتهما، ومن كبار مستشاريهما، وكان يكتب لهما، وهو الذى كتب كتاب ولاية العهد من «أبى بكر» إلى «عمر بن الخطاب» - رضى الله عنهما - وترتيب «عثمان» فى الفضل بين الصحابة كترتيبه فى تولِّى الخلافة عند جمهور علماء الأمة.

أهل الشورى وبيعة عثمان: لم يشأ «عمر بن الخطاب» أن يعهد بالخلافة إلى شخص بعينه، وقال: «إن أعهد - يعنى لشخص محدد - فقد عهد من هو خير منى - يقصد أبا بكر عندما عهد إليه هو نفسه - وإن لم أعهد فلم يعهد من هو خير منى - يقصد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين تركها شورى بين المسلمين». 

 ولعل اجتهاده أدَّاه إلى أن تصرف الرسول و «أبى بكر» يعطى له الفرصة أيضًا أن يختار طريقة أخرى لاختيار من يخلفه، ليثرى بذلك طرق الاختيار، وليرسخ فى أذهان الناس أن أمر اختيار الحاكم منوط دائمًا بالأمة وإرادتها ورضاها، وهى التى تملك محاسبته وعزله إن ارتكب ما يوجب العزل. 

 رشح «عمر بن الخطاب» ستة من الصحابة، ليتولى واحد منهم منصب الخلافة، ولم يأمر أحدًا منهم أن يصلى بالناس إمامًا، حتى لا يظن الناس أنه يميل إليه، بل أمر صهيبًا أن يصلى بالناس، لتكون فرصتهم فى الاختيار متساوية، وشدد على ألا تمضى ثلاثة أيام بعد وفاته إلا ويكون عليهم أمير من هؤلاء الستة يتولى مسئولية الخلافة ويتحمل تبعاتها. 

 وبعد أن فرغ المسلمون من دفن «عمر»، شرع المرشحون الستة فى التفاوض، وبعد نقاش طويل اقترح عليهم «عبد الرحمن بن عوف» أن يتنازل عن حقه فى الخلافة. 

 ويتركوا له اختيار الخليفة، فوافقوا على ذلك، فشرع فى معرفة آرائهم واحدًا بعد واحد على انفراد، فرأى أن الأغلبية تميل إلى «عثمان»، ثم أخذ يسأل غيرهم من الصحابة، «فلا يخلو به رجل ذو رأى فيعدل بعثمان». 

 اطمأن «عبد الرحمن» إلى أن الأغلبية تزكى «عثمان بن عفان» فأعلن ذلك على ملأ من الصحابة فى مسجد النبى - صلى الله عليه وسلم -، ولما كان يعلم أن الذى يلى «عثمان» فى المنزلة عند الصحابة، هو «على بن أبى طالب»، الذى مال إليه عدد منهم، فإنه رأى أن يوضح له أن الأغلبية مع «عثمان»، فقال له: «أما بعد ياعلى، فإنى نظرت فى الناس، فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلا» - كأنه يحذره من المخالفة- ثم أخذ بيد «عثمان»، فقال: «نبايعك على سنة الله ورسوله، وسنة الخليفتين بعده»، فبايعه «عبد الرحمن»، وبايعه المهاجرون والأنصار؛ ولم يتخلف أحد عن بيعته من الصحابة، وكان ذلك بعد وفاة «عمر» بثلاثة أيام. 

 خطبة البيعة

استقبل «عثمان» بخلافته أول المحرم سنة 24هـ، وصعد المنبر بعد تمام البيعة، وخطبهم قائلا -بعد حمد الله والصلاة على رسوله-: «إنكم فى دار قلعة -أى دار الدنيا - وفى بقية أعمار، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه ألا وإن الدنيا طويت على الغرور، فلا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، اعتبروا بما مضى، ثم جدوا ولا تغفلوا، فإنه لا يغفُل عنكم، أين أبناء الدنيا وإخوانها: الذين أثاروها وعمروها، ومتعوا بها طويلا، ألم تلفظهم؟ ارموا الدنيا حيث رمى الله بها، واطلبوا الآخرة ». 

 وأول ما يُلاحظ على الخطبة الأولى، التى افتتح بها «عثمان» خلافته، خلوها من الإشارة إلى المنهج الذى سيسير عليه، ولعله اكتفى بما قاله لعبدالرحمن بن عوف لحظة البيعة، من أنه سيعمل بكتاب الله، وسنة نبيه، وسيرة الخليفتين بعده. 

 كتبه إلى العمال والولاة: كتب «عثمان» - رضى الله عنه - فى الأيام الأولى من خلافته عددًا من الكتب إلى الولاة وأمراء الجند، بل وإلى عامة الناس، تتضمن نصائحه وإرشاداته، يقول «الطبرى»: أول كتاب كتبه «عثمان» إلى عماله: «أما بعد فإن الله أمر الأئمة أن يكونوا رعاة - يرعون مصالح الأمة - ولم يتقدم إليهم - أى لم يطلب منهم - أن يكون جباة، وإن صدر هذه الأمة خلقوا دعاة، ولم يخلقوا جباة، وليوشكن أئمتكم أن يصيروا جباة ولا يكونوا دعاة، فإن عادوا كذلك انقطع الحياء والأمانة والوفاء، ألا وإن أعدل السيرة أن تنظروا فى أمور المسلمين فيما عليهم، فتعطوهم مالهم، وتأخذوهم بما عليهم، ثم تثنوا بالذمة، فتعطوهم الذى لهم، وتأخذوهم بالذى عليهم، ثم العدو الذى تنتابون، فاستفتحوا عليهم بالوفاء». 

 وكتب إلى أمراء الأجناد وقادة الجيوش: «أما بعد، فإنكم حماة المسلمين وذادتهم، وقد وضع لكم عمر ما لم يغب عنا، بل كان عن ملإ منا، فلا يبلغنى عن أحد منكم تغيير ولا تبديل، فيغير الله ما بكم، ويستبدل بكم غيركم، فانظروا كيف تكونون، فإنى أنظر فيما ألزمنى الله النظر فيه، والقيام عليه». 

 وكتب إلى عمال الخراج المسئولين عن الشئون المالية: «أما بعد فإن الله خلق الخلق بالحق، ولا يقبل إلا الحق، خذوا الحق، وأعطوا الحق، والأمانة الأمانة، قوموا عليها، ولا تكونوا أول من يسلبها والوفاء الوفاء، ولا تظلموا اليتيم ولا المعاهد، فإن الله خصم لمن ظلمهم». 

 وكتب إلى عامة الرعية: «أما بعد فإنكم إنما بلغتم ما بلغتم بالاقتداء والاتباع، فلا تفتنكم الدنيا عن أمركم، فإن أمرهذه الأمة صائر إلى الابتداع بعد اجتماع».


وهذه الكتب توضح سياسة «عثمان بن عفان» العامة، التى كان يتوخى أن يتبعها عماله وولاته فى إدارة شئون الأمة، وهى سياسة طابعها الرفق بالرعية، والسهر على مصالحها، والإنصاف فى جمع الخراج، وإيصال الحقوق إلى أصحابها، والإحسان إلى أهل الذمة، ورعاية جميع طوائف الأمة. 

 الفتوحات فى عهد عثمان بن عفان

الفتوحات في عهد عثمان بن عفان-التاريخ


 المسلمون والفرس: كان «عمر بن الخطاب» قد أمر المسلمين بالانسياح فى بلاد فارس بعد موقعة «نهاوند» سنة (21هـ) وكلمة الانسياح من تعبيرات المؤرخين القدماء، وهى تدل على سهولة الفتح بعد «نهاوند»؛ إذ لم يلق المسلمون هناك مقاومة تذكر. 

 وقد نجح قادة الجيوش التى أرسلها «عمر» فى فتح المقاطعات الفارسية كهمذان، و «خراسان» و «أذربيجان»، و «اصطخر»، و «أصبهان»، وكان أمراؤها الفرس قد رأوا عدم جدوى المقاومة، فسلموا بلادهم على شروط المسلمين، وقبلوا دفع الجزية، ووقعت معهم معاهدات، هى آية فى الرحمة والعدل والتسامح، من ذلك معاهدة «عتبة بن فرقد» لأهل «أذربيجان»: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عتبة بن فرقد عامل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أهل أذربيجان: سهلها وجبلها وحواشيها وشفارها، وأهل مللها كلهم، الأمان على أنفسهم وأموالهم ومللهم وشرائعهم، على أن يؤدوا الجزية على قدر طاقتهم، ليس على صبى ولا امرأة ولا زمن - مريض - ليس فى يديه شىء من الدنيا، ولا متعبد متخل ليس فى يديه شىء من الدنيا لهم ذلك ولمن سكن معهم، وعليهم قِرَى المسلم من جنود المسلمين يومًا وليلة ودلالته - على الطريق -ومن حشر منهم - أى من يُستعان به فى خدمات الجيش - فى سنة، وضع عنه جزاء تلك السنة - أى لا يدفع جزية - ومن أقام فله مثل ما لمن أقام من ذلك، ومن خرج فله الأمان حتى يلجأ إلى حرزه». 

 وبعد مقتل «عمر» نقضت معظم المقاطعات الفارسية معاهداتها مع المسلمين، ظنا من أمرائها أن فى مقتل «عمر» فرصة لطرد المسلمين من البلاد التى فتحوها، فوقف «عثمان بن عفان» لهذه الثورة وقضى عليها، كما فعل «أبو بكر» حيث قمع الردة فى شبه الجزيرة العربية، وأعاد إليها وحدتها الدينية والسياسية، وأخذ «عثمان» يجهزالجيوش، ويصدر أوامره إلى أمراء الأمصار: «الوليد بن عقبة» فى «الكوفة»، و «عبدالله بن عامر» فى «البصرة»، للتصدى بحزم لحركة الردة الفارسية، وإعادة الفرس إلى الطاعة والنظام. 

 وكانت إعادة فتح تلك المقاطعات أصعب من فتحها الأول فى عهد «عمر بن الخطاب»؛ لأنها حينذاك سلمت بدون قتال تقريبًا بعد هزيمتهم فى «نهاوند» فى حين بذل المسلمون فى عهد «عثمان» جهدًا كبيرًا، وخاضوا معارك شرسة فى بضع سنوات (24 - 31هـ) لإعادة فتح بلاد فارس مرة أخرى، وقد شهدت تلك المعارك الفصل الأخير من حياة آخر ملوك «آل ساسان» «يزدجرد الثالث»، حيث لقى مصرعه على يد رجل فارسى فى «مرو» سنة (31هـ)، وبموته طويت صفحة دولة فارس من التاريخ. 

 ومما يجدر ذكره ويثير الإعجاب أن المسلمين لم يقسوا على الفرس ولم ينكلوا بهم بعد ثورتهم وخروجهم، بل قبلوا اعتذارهم، ولم يفرضوا عليهم التزامات جديدة، واستمروا فى معاملتهم طبقًا للمعاهدات الأولى. 

 وبدأت بلاد فارس تشهد تاريخًا جديدًا تحت راية الإسلام، يملؤه العدل والتسامح والرحمة، وأسلمت الأمة الفارسية، وأصبحت جزءًا مهما من العالم الإسلامى وأسهمت إسهامًا كبيرًا فى بناء الحضارة الإسلامية. 

 المسلمون والروم فى عهد عثمان: بعد وفاة «عمر بن الخطاب»، قام الروم بمحاولة لطرد المسلمين، فهاجموا الشام - فى السنة الأولى من خلافة «عثمان» بقوات كبيرة من آسيا الصغيرة، جعلت والى الشام القدير «معاوية بن أبى سفيان» يطلب المدد من «عثمان بن عفان»، الذى أمر بتحريك قوات من «العراق» لنجدة الشام. 

 وكتب «عثمان بن عفان» إلى والى «الكوفة» «الوليد بن عقبة» كتابًا يقول فيه: «أما بعد فإن معاوية بن أبى سفيان كتب إلىَّ يخبرنى أن الروم قد أجلبت على المسلمين بجموع عظيمة - أى هاجمت - وقد رأيت أن يمدهم إخوانهم من أهل الكوفة، فإن أتاك كتابى هذا، فابعث رجلا ممن ترضى نجدته وبأسه وشجاعته وإسلامه، فى ثمانية آلاف، أو تسعة آلاف، أو عشرة آلاف، إليهم من المكان الذى يأتيك فيه رسولى، والسلام». 

 ولما بلغ الكتاب والى «الكوفة»، جمع الناس وخطب فيهم وأبلغهم أمر الخليفة، وقال: «قد كتب إلىَّ أمير المؤمنين يأمرنى أن أندب منكم ما بين العشرة الآلاف إلى الثمانية الآلاف، تمدون إخوانكم من أهل الشام، فإنهم قد جاشت عليهم الروم، وفى ذلك الأجر العظيم والفضل المبين، فانتدبوا رحمكم الله مع سلمان بن ربيعة الباهلى، فانتدب الناس، فلم يمض ثالثة - أى ثلاثة أيام - حتى خرج ثمانية آلاف رجل من أهل الكوفة، فمضوا حتى دخلوا مع أهل الشام إلى أرض الروم، وعلى جند أهل الشام حبيب بن مسلمة بن خالد الفهرى، وعلى جند أهل الكوفة سلمان بن ربيعة، فشنوا الغارات على أرض الروم، فأصاب الناس ماشاءوا من سبى، وملئوا أيديهم من المغنم، وافتتحوا بها حصونًا كثيرة».



محاولات الروم العودة إلى مصر

لم يكف الروم عن محاولاتهم الهجوم على المسلمين، على الرغم من هزيمتهم فى الشام، وما إن اعتلى الإمبراطور «قنسطانز الثانى» (22 - 48هـ =642 - 668م) حتى سيطرت عليه فكرة استرداد الشام و «مصر» من أيدى المسلمين، كما استردها جده «هرقل» من الفرس قبل سنوات قليلة من الفتح الإسلامى، فأرسل فى سنة (25 هـ = 645 م) حملة بحرية كبيرة إلى «مصر»، بقيادة «مانويل»، تمكنت من الاستيلاء على «الإسكندرية»، بمساندة من بقى فيها من الروم والإغريق، وبدأت تتوغل جنوبًا قاصدة «حصن بابليون»، فكلف الخليفة «عثمان» قائده «عمرو بن العاص» بمهمة الدفاع عن «مصر» وطرد الروم، وكان «عمرو» قد أعفى من ولايتها بناء على طلبه فى مطلع خلافة «عثمان»، فلم يتردد الفاتح الكبير فى العودة إلى «مصر» للقيام بهذه المهمة، ونجح فى طرد الروم نهائيا، بعد أن ألحق بهم هزيمة منكرة، وقتل «مانويل» قائد حملتهم. 

 استمرار فتح شمال إفريقيا فى عهد عثمان: لما ولى «عبدالله بن سعد بن أبى السرح» ولاية «مصر» من قبل «عثمان بن عفان»؛ كتب إليه أن الروم الذين لا يزالون يسيطرون على «شمال إفريقيا» يغيرون على حدود «مصر» الغربية، ولابد من مواجهتهم قبل أن يتجرءوا ويهاجموا «مصر» نفسها، فاقتنع «عثمان» بعد أن استشار كبار الصحابة، وأذن له بتجريد حملات عسكرية لردعهم وكف عدوانهم، كما أرسل إليه جيشًا من «المدينة» مددًا، يضم عددًا من الصحابة كابن عباس، و «عبد الله بن الزبير» رضى الله عنهما. 

 وفى سنة (27هـ = 647م) انطلق جيش المسلمين بقيادة «عبدالله بن سعد»، وتوغل غربًا حتى وصل إلى «قرطاجنة» عاصمة إقليم «تونس» فى ذلك الوقت، ودارت عدة معارك بين المسلمين وبين ملكها «جريجوار» أو «جرجير» كما تسميه المصادر العربية، انتهت بانتصارالمسلمين وقتل الملك «جريجوار» على يد «عبدالله بن الزبير». 

 ولم تكن تلك الحملة تهدف إلى الاستقرار، بل إلى ردع العدوان، ولذا اكتفى «عبدالله بن سعد» بعقد معاهدات صلح مع زعماء تلك البلاد تعهدوا فيها بدفع مبلغ كبير. 

 وبعد عودة «عبدالله بن سعد» إلى «مصر»، قام بفتح بلاد النوبة جنوبًا سنة (31هـ = 651م)، وعلى الرغم من أنها لم تخضع بلاد «النوبة» للمسلمين، فإنها انتهت بعقد صلح بين الطرفين، اتفقا فيه على تبادل التجارة والمنافع. 

 نشأة الأسطول الإسلامى: يُعد إنشاء الأسطول الحربى الإسلامى من أعظم الإنجازات التى تمت فى عهد أمير المؤمنين «عثمان بن عفان» فبعد الفتوحات الإسلامية فى «مصر» و «الشام» وجد المسلمون أنفسهم قد سيطروا على الشواطئ الشرقية والجنوبية للبحر المتوسط، الذى كان يُعرَف وقتئذٍ ببحر الروم، لأن سيطرتهم عليه كانت كاملة، ولم تنازعهم فى ذلك دولة أخرى؛ ولذا كان المسلمون فى حاجة إلى قوة بحرية تمكنهم من الحفاظ على شواطئهم ضد هجمات الأسطول البيزنطى. 

 وكان أول من تنبه إلى ذلك «معاوية بن أبى سفيان» والى الشام؛ لأنه اضطلع بفتح سواحل الشام، مثل: «صور»، و «عكا»، و «صيدا»، و «بيروت» منذ عهد الخليفتين «أبى بكر الصديق» و «عمر بن الخطاب»، وواجه صعوبات كثيرة فى فتح تلك المدن، لقوة تحصينها من ناحية، وتوالى الإمدادات التى تأتيها من البحر من ناحية أخرى، كما أنها كانت محطات للأساطيل البيزنطية. 

 ولما أدرك «معاوية» أنه بدون قوة بحرية إسلامية فلن يتمكن من الدفاع عن كل الساحل الشامى، فعرض الأمر على الخليفة «عمر بن الخطاب»، مصورًا له حجم الخطر بقوله: «يا أمير المؤمنين، هناك قرية من قرى الروم - يقصد جزيرة قبرص - فى عرض البحر، تتخذها أساطيلهم قاعدة للعدوان علينا، وهذه القرية قريبة من حدودنا إلى درجة أن أهل «حمص» - من مدن الشام - يسمعون نباح كلابها وصياح دجاجها، فأذن لنا ببناء أسطول حربى بحرى»، لكن «عمر» رفض ذلك رفضًا قاطعًا؛ لخوفه على المسلمين من أهوال البحار، وأن الوقت لا يزال مبكرًا للدخول فى هذا المجال، وقال لمعاوية: «لمسلم واحد أحب إلى مما حوت الروم»، يقصد أن سلامة المسلمين عنده مقدمة على أى شىء آخر، وطلب من «معاوية» أن يستعيض عن ذلك بتقوية حصون السواحل، فامتثل «معاوية»، لكنه لم يفقد الأمل فى تحقيق ما يصبو إليه. 

 بناء الأسطول

بادر «معاوية بن أبى سفيان» بعد تولى «عثمان بن عفان» الخلافة سنة (24 هـ) إلى عرض مشروعه القديم عليه، الذى يقضى بإنشاء أسطول بحرى، لكن «عثمان» رفض فى البداية، وذكره بمادار بينه وبين «عمر بن الخطاب» فى ذلك الشأن، وأنه حريص على سلامة المسلمين كحرص «عمر» من قبل لكن «معاوية» ألح عليه إلحاحًا شديدًا، وكان أجرأ عليه من «عمر»، ولم يكف عن المحاولة حتى ظفر منه بالإذن، وكان إذنًا مشروطًا، بألا يُكره أحدًا من الجنود على العمل فى الأسطول.

بدأ «معاوية بن أبى سفيان» يعمل على الفور فى بناء الأسطول، متعاونًا مع «عبدالله بن سعد بن أبى السرح»، والى «مصر»، ومستثمرًا كل الإمكانات المتاحة والصالحة لصناعة السفن فى «مصر» والشام، حيث كانت فى «مصر» دور قديمة لصناعة السفن، وعدد كبير من العمال المهرة المدربين، وأشجار «السنط» التى تصلح لعمل الصوارى وضلوع السفن، وكانت الشام تتمتع بكثير من المواد اللازمة مثل أخشاب «الصنوبر» و «البلوط» و «العرعر»، وأدى هذا التعاون بين «مصر» والشام إلى بروز الأسطول الإسلامى وظهوره. 

 فتح جزيرة قبرص سنة (28هـ)

كان أول عمل بحرى ناجح قام به الأسطول الإسلامى، هو فتح «جزيرة قبرص» التى كانت تهدد شواطئ المسلمين باستمرار لقربها منها من ناحية، وباعتبارها محطة مهمة من محطات الأساطيل البيزنطية من ناحية أخرى. 

 وقد غزاها «معاوية» سنة (28هـ)، أى بعد أربع سنوات فقط من بناء الأسطول الإسلامى، وهى مدة ليست بالطويلة لإنشاء أسطول بحرى، ولكنها عزيمة الرجال وإصرارهم على إنجاز العمل. 

 وكانت الغزوة مشتركة أسهمت فيها قوات الشام، وقوات «مصر» بقيادة «عبدالله بن سعد»، ونزلوا «قبرص» واستولوا عليها، فعرض أهلها الصلح، فقبل «معاوية»، واشترط لعقده عدة شروط: - أن يدفع أهل «قبرص» جزية سنوية، مقدارها سبعة آلاف دينار. 

 - وأن يُعلموا المسلمين بأية تحركات عدائية من جانب الروم ضد سواحلهم. 

 - وأن يقف أهل «قبرص» على الحياد، إذا نشبت حرب بين المسلمين والروم، ولكن لا يمنعون المسلمين من المرور بجزيرتهم إذا احتاجوا إلى ذلك. 

 ولم يلتزم أهل «قبرص» بما تعاهدوا عليه فى الصلح، مما جعل «معاوية» يعاود غزو الجزيرة مرة أخرى سنة (33هـ) ويضمها إلى دولة الخلافة، وينقل إليها اثنى عشر ألفًا من المسلمين من أهل الشام، وأسكنهم فيها، وبنى لهم الدور والمساجد. 

 موقعة ذات الصوارى سنة (34هـ): أثار بروز الأسطول الإسلامى فى البحر المتوسط حفيظة «قنسطانز الثانى» الإمبراطور البيزنطى، وجعله يفكر فى القضاء على الأسطول الإسلامى وتحطيمه، قبل أن تكتمل قوته، ويزداد خطره، وحتى تظل السيطرة على «البحر المتوسط» للأسطول البيزنطى وحده دون غيره، فعبأ الإمبراطور قواته البحرية كلها، واتجه بها قاصدًا سواحل الشام، وهو لا يراوده شك فى قدرته على تدمير السفن الإسلامية؛ لحداثة نشأتها، وقلة خبرة رجالها، لكن المسلمين استعدوا لهذا اللقاء جيدًا وتعاون الأسطولان فى «مصر» والشام، لرد هذا العدوان، وأسندت قيادتهما إلى «عبدالله بن سعد» والى «مصر». 

 والتقى الأسطولان الإسلامى والبيزنطى - الذى كان بقيادة الإمبراطور نفسه - فى شرقى «البحر المتوسط»، جنوبى شاطئ «آسيا الصغرى» (تركيا الحالية)، ودارت بينهما معركة بحرية كبيرة، سُميت بمعركة «ذات الصوارى»، لكثرة السفن التى اشتركت من الجانبين (خمسمائة سفينة من جانب الروم، مقابل مائتى سفينة من جانب المسلمين) وانتهت المعركة بنصر عظيم للمسلمين، وهزيمة ساحقة للأسطول البيزنطى، ونجاة الإمبراطور من القتل بأعجوبة. 

 ونتيجة لهذه الهزيمة لم يرجع الإمبراطور إلى عاصمة «القسطنطينية» بعد المعركة، وإنما ذهب إلى «جزيرة صقلية»، قبالة شاطئ «تونس»، فى محاولة منه لحماية ما تبقى من دولة الروم فى «شمال إفريقيا»، لكنه قتل فى «صقلية» سنة (68هـ = 688م). 

 مصحف عثمان

 إذا كان لعهد «عثمان بن عفان» - رضى الله عنه - أن يفخر بما أنجز فيه من الأعمال العظيمة؛ فإن له أن يفخر بما هو أعظم منها جميعًا، وهو جمع القرآن الكريم على لغة واحدة. 

 للقرآن صورتان: صورة صوتية مقروءة، وأخرى مكتوبة مدونة، وقد حرص الرسول - صلى الله عليه وسلم - على تدوين الآيات فور نزولها، وقبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى راجع مع «جبريل» - عليه السلام - ترتيب الآيات والسور مرتين. 

 وقد حفظ الصحابة القرآن باللهجات التى درجوا عليها، وأجاز لهم النبى - صلى الله عليه وسلم - ذلك، ولذا ظهرالاختلاف فى وجوه القراءة بين الصحابة من بدء نزول القرآن، نتيجة للهجة التى اعتادها اللسان. 

 ولما جُمِعَ القرآن الكريم الجمع الأول فى الصحف فى عهد «أبى بكر» بهيئته المكتوبة، بقيت الصورة الصوتية كما هى، ولما فُتحت البلاد وتفرق الصحابة فيها، أخذ أهل كل إقليم يقرءون القرآن بقراءة الصحابى أو الصحابة الذين عاشوا بينهم، فتمسك أهل «الكوفة» بقراءة «عبدالله بن مسعود»، وأهل الشام بقراءة «أبى بن كعب»، وأهل «البصرة» بقراءة «أبى موسى الأشعرى»، ومع اتساع الفتوحات، زاد الخلاف بين المسلمين حول قراءة القرآن، وتحول الأمر إلى تعصب، بل كاد أن يؤدى إلى فتنة بينهم، مما أفزع «حذيفة بن اليمان» الصحابى الجليل، وكان يقرأ فى «أذربيجان»، فرجع إلى «المدينة»، وأخبر «عثمان بن عفان»» بما رأى.

جمع «عثمان» الصحابة، وأخبرهم الخبر، فأعظموه، ورأوا جميعًا مارأى «حذيفة» من ضرورة جمع الناس على مصحف واحد، وأرسل «عثمان» إلى أم المؤمنين «حفصة بنت عمر» أن تبعث إليه بالمصحف الذى جُمع فى عهد «أبى بكر» - وكان «عمر بن الخطاب» قد أخذه بعد وفاة «أبى بكر»، ثم حُفظ بعد موته عند ابنته «حفصة» - ثم أمر «زيد بن ثابت» - الذى جمع القرآن الجمع الأول فى عهد «أبى بكر الصديق» - و «عبدالله بن الزبير»، و «سعيد بن العاص»، و «عبدالرحمن بن الحارث بن هشام»، أن ينسخوه، وقال لهم: إذا اختلفتم - يعنى فى كلمة أو كلمات- فاكتبوها بلسان «قريش»، فإنما نزل بلسانهم، فلما نسخوه، أرسل إلى كل إقليم مصحفًا وأمر بإحراق ما سوى ذلك، وقد سمى هذا المصحف بالمصحف الإمام أو «مصحف عثمان». 

 الفتنة وأسبابها

 سارت الأمور فى الدولة الإسلامية على خير ما يرام فى الشطر الأول من خلافة «عثمان» - رضى الله عنه - (24 - 30هـ)،ولكن مع بداية سنة (31هـ) هبت على الأمة الإسلامية رياح فتنة عاتية، زلزلت أركانها، وكلفتها تضحيات جسيمة، واستمرت هذه الفتنة نحو عشر سنين، شملت ما تبقى من خلافة «عثمان بن عفان»، وكل زمن خلافة «على بن أبى طالب» -رضى الله عنهما- (31 - 40هـ). 

 ومما لاشك فيه أن تلك الفتنة كانت نتيجة لمؤامرة واسعة النطاق كانت أحكم فى تدبيرها، وأوسع فى أهدافها، وأخطر فى نتائجها من مؤامرة اغتيال «عمر بن الخطاب» - رضى الله عنه -، لأن اغتيال «عمر» لم يخلف آثارًا خطيرة بين المسلمين، ولم يقسمهم شيعًا وأحزابًا كما حدث فى آخر عهد «عثمان»، ولأن الذين خططوا لقتل «عمر» والذين قاموا بتنفيذ ذلك كانوا غير مسلمين وغير عرب، فى حين أن الذين قتلوا «عثمان» و «عليا» من بعده كانوًا عربًا مسلمين، وهذا هو وجه الخطورة، حتى وإن كان التخطيط من غيرهم. 

 والذى لاشك فيه أن الذى تولى التخطيط للفتنة، وقتل «عثمان»، وإغراق الأمة فى بحر من الدماء، هو «عبد الله بن سبأ» اليهودى، الذى ادعى الإسلام؛ ليتمكن من الكيد له من داخله، والذى لُقِّب بابن السوداء. 

 وقبل الحديث عنه يحسن تناول الظروف والأجواء التى كانت سائدة فى عهد «عثمان» - رضى الله عنه - واستغلها «ابن سبأ» لتحقيق أهدافه المدمرة: أولا: تغيرت الظروف فى آخر حياة «عثمان» بل وفى بداية خلافته عما كانت عليه فى خلافة «عمر بن الخطاب»، وربما كان هذا تطورًا طبيعيا فى حياة الأمة، فقد كثرت الغنائم فى أيدى الناس، وبدءوا يتوسعون فى المأكل والملبس والمشرب، وبخاصة الجيل الجديد من العرب الذى دخل فى الإسلام بعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم -، ولم يتأدب بآدابه، ولم يتعود حياة القناعة والقصد فى المعيشة التى كان يحياها الصحابة فى حياته - صلى الله عليه وسلم -. 

 ولم يُرضِ ذلك التوسع فى المعيشة صحابيا جليلا اشتهر بالزهد، هو «أبو ذر الغفارى»، فسخط على «عثمان» وولاته وعماله، وحملهم مسئولية ذلك التطور الاجتماعى الطبيعى الذى لم يكن من صنعهم، وراح ينادى بتحريم امتلاك المسلم لشىء من المال فوق حاجة يومه وليلته، واستشهد على ذلك بقوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم}. 

 [التوبة: 34]. 

 ولم يوافق أحد من الصحابة «أبا ذر» فيما نادى به، وكانوا يرون أن المال إذا جُمع من حلال، وأدى عنه صاحبه حق الله وهو الزكاة: لا يعتبر كنزًا، ولا تنطبق عليه الآية موضع الاستشهاد، والنبى - صلى الله عليه وسلم - كان يخزن مؤنة بيوته لمدة سنة إذا كانت الظروف تسمح بذلك، وتشريع الله للمواريث فى نظام دقيق يقتضى ترك الميت ثروة تقسم بين ورثته، وكثير من الصحابة كانوا أغنياء على عهد النبى - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعب النبى - صلى الله عليه وسلم - ثراءهم، بل يُروى أنه قال: «نعم المال الصالح للمرء الصالح». 

 [مسند أحمد]. 

 وقد نصح النبى - صلى الله عليه وسلم - «سعد بن أبى وقاص» حين أراد أن يتصدق بماله كله بقوله: «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس». 

 [صحيح البخارى، كتاب الجنائز]. 

 ولو أن «أبا ذر الغفارى» - رضى الله عنه - احتفظ برأيه لنفسه، لكان الأمر هينًا، ولكنه أذاعه فى الناس؛ ووجد صداه عند الكسالى والذين يريدون أن يعيشوا عالة على غيرهم، فألبوا الناس على «عثمان» وولاته، وكانت تلك الدعوة سببًا من أسباب الفتنة. 

 وعلى الرغم من اعتزال «أبى ذر» الناس فى الربذة «شرقى المدينة» امتثالا للخليفة؛ فإن دعوته كانت قد استشرت، وتلقفها «ابن سبأ» اليهودى وأشعلها بين الناس. 

 ثانيًا: شارك عدد كبير من أهل «اليمن» ومنطقة «الخليج» فى الفتوحات الإسلامية، وكان دورهم فى تحقيق النصر لا ينكر، ولكنهم وجدوا بعد الفتح أن الإمارات والوظائف الرئيسية قد أُسندت إلى غيرهم وبخاصة أبناء «قريش»، وكبار المهاجرين والأنصار وأبنائهم، فلم يعجبهم ذلك، ورأوا أنفسهم أحق بالإمارات التى فتحوها بسيوفهم، مع أنه كان من الضرورى أن يتولى المهاجرون والأنصار هذه الولايات؛ لأنهم يعرفون الإسلام وشرائعه

أكثر، فقدمهم علمهم وفقههم فى الدين وسابقتهم فى الإسلام، وجهادهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أنسابهم وأحسابهم. 

 ونتيجة لذلك تكونت جبهة عريضة من أبناء تلك المنطقة معارضة لسيطرة أبناء المهاجرين والأنصار على الدولة الإسلامية، ولم تكن شكواهم من الولاة واتهامهم بالظلم حقيقية، بل كانت ذريعة للنيل منهم، ومن الخليفة «عثمان»، وهدفًا لقلب الدولة وتغيير نظام الحكم المتهم بالظلم، وهؤلاء كانوا صيدًا سمينًا لابن سبأ فاستغل السخط الذى ملأ قلوبهم لتحقيق هدفه الشرير. 

 ثالثًا: عندما بدأت هذه الفتنة كان معظم ولاة الأقاليم من «قريش»، بل من «بنى أمية» أهل «عثمان»، وأقربائه، مما سهل على «ابن سبأ» مهمته فى إشعال نار الفتنة، والحق أن هؤلاء الولاة، وهم «معاوية بن أبى سفيان» والى الشام، و «عبدالله بن سعد بن أبى السرح» والى «مصر»، و «عبدالله بن عامر» والى «البصرة»، و «الوليد بن عقبة» والى «الكوفة»، كانوا من خيرة الولاة، وممن أسهموا فى تثبيت الفتوحات الإسلامية بعد استشهاد «عمر»، وممن مارسوا الحكم قبل خلافة «عثمان»، بل إن «معاوية بن أبى سفيان» كان واليًا على الشام من عهد «أبى بكر الصديق». 

 ومن ثم لم يولِّهم «عثمان» لهوى فى نفسه، أو لأنهم من أقربائه، بل ولاهم لكفايتهم ومقدرتهم الإدارية. 

 ومما يؤسف له أن بعض الكتاب الكبار صوَّروا الأمر على غير ما تقتضيه الحقيقة التاريخية، وكأن «عثمان بن عفان» أتى بهؤلاء الولاة من قارعة الطريق، وعينهم على الولايات الكبيرة، وحملهم على رقاب الناس؛ لأنهم أقرباؤه فحسب. 

 ويذهب بعضهم إلى تصوير أمر استعفاء «عمرو بن العاص» من إمارة «مصر» بناء على طلبه على أنه عزل من «عثمان» ليعين مكانه أخاه من الرضاعة «عبدالله بن سعد»، ولا يذكر شيئًا مما يعرضه مؤرخو «مصر» الإسلامية كابن عبد الحكم و «الكندى»، من أن «عبد الله بن سعد» كان واليًا على صعيد «مصر» من قبل «عمر بن الخطاب»، فلما تولى «عثمان بن عفان» الخلافة طلب منه «عمرو بن العاص» أن يخصه وحده بإمارة «مصر» كلها، فرفض «عثمان»، فاعتزل «عمرو» الولاية بناء على طلبه، ولم يعزله «عثمان بن عفان». 

 رابعًا: أن من أبناء البلاد المفتوحة وبخاصة بلاد فارس، من لم يسترح إلى سيادة العرب عليهم، وسيطرتهم على بلادهم، وهم الذين كانوا بالأمس يحتقرونهم وينظرون إليهم فى استعلاء، فعزَّ على أنفسهم ذلك، فلم يتركوا فرصة لزعزعة الدولة الإسلامية إلا وانتهزوها، خاصة من لم يتمكن الإسلام فى قلوبهم منهم، وهؤلاء كان لهم دور فى إثارة الفتنة على «عثمان»، واستمر حتى آخر العصر الأموى. 

 خامسًا: أن كل ما تقدم كان يمكن تداركه وعلاجه، بل إن «عثمان» - رضى الله عنه - حاول إجابة كل مطالب الثائرين عليه والمؤلبين للناس ضده، لكنهم لم يقتنعوا؛ لأن الخليفة لان معهم وحلُم عليهم أكثر مما كان ينبغى، ولو أخذهم بالشدة والحزم كما كان يفعل «عمر بن الخطاب» مع أمثالهم لارتدعوا، ولحُسمت الفتنة. 

 عبد الله بن سبأ

 هو رجل يهودى من «صنعاء» ادعى الإسلام فى عهد «عثمان»، وأخذ يبث فى المسلمين أفكارًا غريبة وبعيدة عن الإسلام، مثل قوله بالوصية أى أن «على بن أبى طالب»، هو وصى النبى - صلى الله عليه وسلم - وخليفته من بعده، ومعنى ذلك أن الخلفاء الثلاثة، «أبا بكر» و «عمر» و «عثمان» اغتصبوا حق «على» فى الخلافة. 

 وبدأ «ابن سبأ» من هذه النقطة، مستغلا كل الأطراف التى سبق الحديث عنها، ووضع للثائرين والناقمين على اختلاف مشاربهم وأهدافهم خطة للتحرك ضد الخليفة وولاته، وأشار عليهم بالنيل من الولاة أولا؛ لما كان يعرف أن «عثمان» نفسه فوق الشبهات، حتى إذا نجحوا فى تشويه سمعة الولاة، انتقلوا إلى «عثمان» باعتباره المسئول الأول عنهم، ومما قاله لأتباعه: «إن عثمان أخذها بغير حق، وهذا وصى رسول الله - يقصد عليًّا - فانهضوا فى هذا الأمر فحركوه، وابدءوا بالطعن فى أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، تستميلوا الناس». 

 أخذ «ابن سبأ» يتنقل بهذا التدبير الشيطانى بين الأقاليم من «البصرة» إلى «الكوفة» إلى الشام إلى «مصر»، يبث أفكاره وسمومه، وكانت خطته بالغة الإحكام، جعلت أتباعه ينجحون فى زرع الشكوك فى نفوس الصحابة فى «المدينة»، مثل «على بن أبى طالب»، و «الزبير بن العوام»، و «طلحة بن عبيد الله»، والسيدة «عائشة» - رضى الله عنها - وهؤلاء كلهم كانت تصلهم معلومات كاذبة عن ظلم ولاة الأقاليم، لكنهم صدقوها للأسف، ولم يتبينوا كذبها إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن وقعت الواقعة، وقتل الخليفة الثالث مظلومًا. 

 موقف عثمان من الفتنة

 لما سمع «عثمان بن عفان» ما يقال عن ولاة أقاليمه جمع أهل «المدينة»، وقال لهم: أشيروا على، فأشاروا عليه أن يرسل رجالا إلى الأقاليم للتحقيق فيما وصله من كلام عنهم، كما كان يفعل «عمر بن الخطاب»، فاستجاب على الفور، وحدد أربعة من الصحابة من غير «بنى أمية» - حتى لا يتهمهم أحد بالتحيز للولاة - للقيام بما كلفهم به، فأرسل «محمد بن مسلمة» إلى «الكوفة»،

و «أسامة بن زيد» إلى «البصرة»، و «عبدالله بن عمر» إلى الشام، و «عمار بن ياسر» إلى «مصر»، وعاد الثلاثة الأول إلى «المدينة»، وقدموا تقارير للخليفة بأن الأمور تجرى على خير وجه، وأن الشكاوى التى تصل إلى «المدينة» كلها باطلة، ولا أساس لها من الصحة؛ وأن الولاة يقومون بعملهم خير قيام، أما «عمار بن ياسر» فلم يعد من «مصر»، لأنه لما وصل إليها، تصادف وجود «ابن سبأ» فيها، فاستقطبه للأسف وضمه إلى صفه، مما جعل الأمر يستفحل ويزداد خطرًا. 

 وبعد أن تبين بطلان مزاعم أتباع «ابن سبأ»، الذين ألبوا الناس على «عثمان» - وكلهم عرب مسلمون- لان لهم الخليفة، وعطف عليهم وحاول استرضاءهم بدلا من عقابهم وأخذهم بالشدة. 

 ولما تهيأ الجو، ورأى زعماء الفتنة أن الفرصة سانحة للتخلص من الخليفة، خرجوا إلى «المدينة» على رأس وفود أهل «مصر» و «البصرة» و «الكوفة»، وكانوا نحو عشرة آلاف متظاهرين بالحج، مخفين نياتهم الخبيثة عن عامة الناس، الذين شكوا إلى الخليفة من تصرفات لولاتهم لا يرضونها، فوعدهم خيرًا، وأمرهم بالعودة إلى أمصارهم، فرضوا لما رأوه من سماحته وعطفه، وعادوا. 

 أما زعماء الفتنة من أمثال: «الأشتر النخعى»، و «عمرو بن الأصم»، و «حرقوص بن زهير السعدى»، و «الغافقى بن حرب»، فقد ساءهم عودة عامة الناس الذين لا علم لهم بالمؤامرة، وسُقِطَ فى أيديهم، وعزموا على قتل الخليفة أو عزله، فتخلفوا فى «المدينة»، وزوَّروا كتابًا، ادعوا كذبًا أنهم وجدوه مع غلام من غلمان «عثمان»، موجه إلى «عبدالله بن سعد» والى «مصر» يأمره فيه بقتل بعض الثائرين وتعذيب بعضهم الآخر. 

 عاد الثائرون من الطريق بهذا الكتاب، فعرضوه على «على بن أبى طالب»، فأدرك أنه مزور، لأن الذين ادعوا أنهم وجدوه هم أهل «مصر»، ولكنهم عندما عادوا عادوا جميعًا، أهل «مصر» و «الكوفة» و «البصرة»، مع أن طرقهم مختلفة، فعودتهم فى وقت واحد، تدل على أن الأمر مدبر، فقال لهم على: «كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقى أهل مصر وطريقكم مختلف وقد سرتم على مراحل؟! هذا والله أمر أبرم بالمدينة». 

 ولما علموا أن أمرهم قد ظهر، وخطتهم انكشفت، قالوا لعلى: «ضعوه حيث شئتم - أى الكتاب مصممين على كذبهم - لاحاجة بنا إلى هذا الرجل، ليعتزلنا»، ولا شك أن هذا تسليم منهم بأن قصة الكتاب مختلقة، وأن غرضهم الأول والأخير هو خلع أمير المؤمنين أو سفك دمه، الذى عصمه الله بشريعة الإسلام. 

 محاصرة بيت الخليفة وقتلها

تشبث الأشرار بهذا الكتاب المزور، ولم يستجيبوا لنصح الصحابة بالرجوع إلى بلادهم؛ لأن الخليفة لم يرتكب خطأ يستحق عليه العقاب، فحاصروه فى بيته، ولم تكن هناك قوة تدافع عنه، فقد رفض عرضًا من «معاوية بن أبى سفيان» بالذهاب معه إلى الشام، وكره أن يغادر جوار رسول الله كما رفض أن يرسل «معاوية» إليه جندًا من الشام لحمايته، لأنه كره أن يضيق على أهل مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجيش يضايقهم فى معاشهم. 

 ولما رأى «على بن أبى طالب» و «الزبير بن العوام» و «طلحة بن عبيد الله» وغيرهم الحصار المضروب على بيت الخليفة؛ أرسلوا أبناءهم لحراسته، لكنه رفض ذلك أيضًا، وأقسم عليهم بما له من حق الطاعة عليهم أن يذهبوا إلى بيوتهم ويغمدوا سيوفهم، لأنه أدرك أن أبناء الصحابة وهم عدد قليل، إن تصدوا لهؤلاء الأشرار - وكانوا زهاء عشرة آلاف - فقد يقتلونهم جميعًا، فآثر سلامتهم وحقن دماءهم، ولعله كان يفكر أن الثوار إذا قتلوه هو فستنتهى المشكلة، فرأى أن يضحى بنفسه، حقنًا للدماء، ولم يدر أن دمه الطاهر الذى سيُسفك، كان مقدمة لبحور من دماء المسلمين، سالت بعد ذلك نتيجة مقتله. 

 امتثل أبناء الصحابة لأمره، وعادوا إلى بيوتهم، لكنه طلب منهم ماء للشرب، بعد أن منعه الثوار عنه، وهو الذى اشترى للمسلمين «بئر رومة» ووهبها لهم، بناء على طلب من الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذى بشره بنهر عظيم فى الجنة. 

 وكانت أم المؤمنين «أم حبيبة بنت أبى سفيان» أول المغيثين لعثمان، لكنها لم تستطع أن توصل الماء إليه لأن الثوار منعوها، وأساءوا معها الأدب وسبوها، ولم يراعوا لها حرمة. 

 فلما فعلوا بأم حبيبة ذلك، ذهب إليهم «على بن أبى طالب» - رضى الله عنهم - وقال لهم: «إن الذى تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين، لاتقطعوا عن الرجل المادة (الطعام والشراب) فإن الروم وفارس لتأسر فتطعم وتسقى، وما تعرض لكم هذا الرجل، فبم تستحلون حصره وقتله؟! قالوا: لا والله ولا نعمة عين - يعنى ولا قطرة ماء تصله - لا نتركه يأكل ويشرب». 

 وبعد ذلك اقتحموا على الخليفة داره اقتحامًا، متسلقين من دور مجاورة، وقتلوه وهو صائم يقرأ القرآن، وروعوا الأمة الإسلامية فى إمامها، الذى كانت تستحى منه الملائكة، والذى بشره النبى - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، وتنبأ له بالشهادة، وكان استشهاده فى أواخر شهر ذى الحجة سنة (35هـ).

قُتِل «عثمان بن عفان» مظلومًا لم يرتكب ذنبًا أو يقترف جرمًا يستحق به أن يرفع هؤلاء الأشرار أصواتهم عليه ولو كان كل ما رموه به من تُهم صحيحًا - مع أنه باطل وملفق - ما أباح لهم قتله، ولكنه الحقد الأسود والأفكار الهدامة، التى زرعها «ابن سبأ» فى نفوسهم وعقولهم، جعلهم يرون فضائله وإنجازاته تهمًا وجرائم، فاتهموه -مثلا - بأنه تخلف عن «بيعة الرضوان» فى «الحديبية»، مع أنهم يعلمون أنه عندئذٍ كان فى «مكة» سفيرًا للرسول - صلى الله عليه وسلم - يقوم بمهمة اعتذر عنها «عمر بن الخطاب» لخطورتها، وناب النبى - صلى الله عليه وسلم - نفسه عن «عثمان» فى البيعة، فكانت بيعة عن «عثمان» أفضل من بيعة الصحابة لأنفسهم، كما اعتبروا جمعه للقرآن فى مصحف واحد جريمة، مع أنه أعظم أعماله باعتراف الصحابة أنفسهم. 

 وقد وصف «أبو بكر بن العربى» قتلة «عثمان» وصفًا صادقًا، فقال: «وأمثل ما روى فى قصته - أى عثمان - أنه بالقضاء السابق، تألب عليه قوم لأحقاد اعتقدوها، ممن طلب أمرًا فلم يصل إليه، أو حسد حسادة أظهر داءها، وحمله على ذلك قلة دين، وضعف يقين، وإيثار العاجلة على الآجلة، وإذا نظرت إليهم دلك صريح ذكرهم على دناءة قلوبهم، وبطلان أمرهم». 

 وقد لا يصدق بعض الناس أن رجلا واحدًا هو «عبد الله بن سبأ» يستطيع أن يفسد أمر أمة بكاملها، مهما تبلغ قدراته، بل وصل الأمر ببعضهم إلى إنكار وجوده أصلا، ولكن الواقع أن «ابن سبأ» كان موجودًا ووجوده حقيقة، وهو كأى متآمر خبيث يتمتع بقدر كبير من الدهاء والمكر، مكنه من أن يستميل إلى صفه صحابيين جليلين هما «أبو ذر الغفارى» و «عمار بن ياسر»، وأن يستغل كل الساخطين من أبناء العرب الطامعين فى الوظائف، بالإضافة إلى الحاقدين من أبناء البلاد المفتوحة، الذين سقطت دولهم، وبادت عروشهم، وخلق من ذلك كله تيارًا عامًّا، أدى إلى فتنة عارمة، ذهب ضحيتها «عثمان بن عفان»، ولم تنته بعد موته.





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-