ازمة القرم
لم تكن ازمة القرم وليدة احداث آنية او متغريات مفاجئة بل ان احداثها اظهرت استمرارية
متلازمة بني الماضي والحاضر في تلك البقعة المهمة التى كانت ولاتزال مجال للصراع والتنافس
على المستويين الاقليمي والدولي.
الصراع حول القرم
كانت القرم جزءا من الامبراطورية العثمانية، يقطنها التتار المسلمون وفي منتصف القرن التاسع عشر، توجهت اطماع كل من روسيا القيصرية وبريطانيا وفرنسا نحوو تلك الامبراطورية المترامية الاطراف والتي اصابها الوهن لتصبح كما سمها القيصر الروسي نيكوالي الاول( برجل اوربا المريض ) ، فنشبت الحرب بني الامبراطورية الروسية من جهة وبريطانيا
وفرنسا المتحالفتين مع الدولة العثمانية من جهة اخرى، كان النصر فيها من نصيب
المتحالفين، بعد عملية الانزال البحري الواسع النطاق خلال العامني 1856 -1857 فيما سمي (بحرب القرم)، وطرد الاسطول الروسي من شبه الجزيرة ومنعها بذلك من حق
امتلاك أي أسطول بحري قوي في البحر الاسود.
ولم يعتزـ الحلفاء آنذاك التقدم في عمق
روسيا. والحقيقة ان الروس كانوا يقاومون بصورة دائمة سعي الغرب خنق الآماد القارية
الشاسعة للامبراطورية الروسية، ومنعها من الوصول إلي المياه الدافئة، لكن الصراع لم ينتهي
فروسيا وبعد عقود من الحرب مع الدولة العثمانية، تمكنت من السيطرة على القرم وميناء
سيفاستوبول عامي ف1877 -1878 في عهد الامبراطورة الروسية كاترين العظمى،وفي الوقت الذي كانت الدولة العثمانية تدافع عن جزء من ممتلكاتها فإن مؤازرة بريطانيا وفرنسا لها كانت من اجل ابعاد شبح المارد الروسي وتحجيم نفوذه في المناطق التابعة للدولة العثمانية طمعا في املاكها .
ولطالما كانت لشبه جزيرة القرم أهمية بالغة بالنسبة إلى روسيا الإمبراطورية والسوفيتية وروسيا المعاصرة لأن امتلاكها يعني السيطرة على البحر الأسود والمناطق المطلة عليه .
لذلك كله يجب القول إن الهدف المنشود لقياصرة الروس ظل على مدى قرون فرض السيطرة على مضيقي البوسفور والدردنيل بغية ضمان الخروج الآمن لأسطول البحر الأسود الروسي إلى المتوسط .
وكان لجزيرة القرم دائما ، أهمية استراتيجية قصوى في لعبة توازن القوى خلال القرن العشرين وقد احتفظت بهذه الاهمية خلال القرن الحالي ، وذلك لاحتوائها على أكبر قاعدة بحرية روسية تعد الوحيدة من نوعها في المياه الدافئة ، وهي مقر أسطول البحر الأسود الروسي ، وقد احكمت قبضتها عليها
الدول التي قامت في شبه جزيرة القرم
وجدوا التتار في انشغال روسيا بثورة اكتوبرالبلشفية فرصة لهم لاعلان جمهورية القرم المستقلة برئاسة نعمان حيجي خان في العام 1917 ، الا أن الشيوعيون وضعوا حداً لها واسقطوها في العام 1920 ، واقاموا بدلا " منها جمهورية القرم السوفيتية الاشتراكية ذات الحكم الذاتي ، من 1920 وحتى 1945 ، وخلال الحرب العالمية الثانية نفى ستالين التتار من شبه جزيرة القرم إلى سيبيريا لتحالفهم مع النازيين ، اذ كانت القيادة الهتلرية إبان الحرب العالمية الثانية تعلق آمالا كثيرة على القرم بصفتها رأس جسر هام للتوغل إلى آسيا والشرق الأوسط ، وغدت سيفاستوبول بعد الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا فيها قاعدة بحرية مهمة للاتحاد السوفيتي في جنوب البلاد .
وفي عام 1954 ، قرر الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف ، وهو اوكراني الاصل ، نقل القرم الى جمهورية اوكرانيا السوفيتية الاشتراكية ، ولم يسمح للتتار القرميين بالعودة الى ديارهم .
ولم يكن لذلك القرار اثر عملي واضح ابان الحقبة السوفييتية ، ولكن بعد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991 ، اثيرت مشكلة تبعية شبه جزيرة القرم بعد أن أصبحت جزءا من أوكرانيا المستقلة ، واعيد الحكم الذاتي لها ، ومع وجود توترات انفصالية خلال عقد التسعينات ، ظلت القرم تتمتع بحكم ذاتي ضمن اوكرانيا المستقلة ، مع اعتراف روسيا بها وتعهدها بالحفاظ على وحدة اوكرانيا في مذكرة بودابست للضمانات الامنية الموقعة عام 1994 ، من قبل روسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة الى جانب اوكرانيا التي تخلت بموجب هذه الاتفاقية عن اسلحتها النووية .
وبقيت غالبية سكانها من الروس الذين يشكلون قرابة 60 بالمئة من تعدادهم . اما التتار المسلمون الذين عانوا الأمرين عندما طردهم جوزف ستالين في عام 1944 من القرم ، فإنهم عادوا اليها ثانية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ويشكلون الآن زهاء 12 بالمئة من سكانها ، وهم يرغبون بأن تظل شبه جزيرة القرم جزءا من أوكرانيا .
اسباب الازمة
يؤشر نهر دنيبرو الذي يقطع الاراضي الاوكرانية من الشمال الى الجنوب واقع اوكرانيا المتمثل بأنقسامها الى نصفين ، حيث يتجه احدهما الى اوروبا ، والنصف الآخر الى روسيا ، هذا الواقع بدا وكأن اوكرانيا مكونة من دولتين مختلفتين ، حيث يندر عبور السكان من غربها الكاثوليكي الى شرقها الارثوذكسي الصناعي الذي يتحدث اهله باللغة الروسية اكثر من اللغة الاوكرانية في دونتكس الصناعية التي لايزال تمثال لينين منتصبا فيها بكل فخر فيما جرى استبداله بآنية زهور في لفيف في الجانب الغربي .
ومنذ خروج اوكرانيا من الاتحاد السوفيتي عقب تفككه نشأ فيها تياران الاول يؤيد الانضمام الى الاتحاد الاوروبي والنأي عن روسيا والعمل على الخلاص من الماضي المريرالذي رافق الحكم الشيوعي انذاك والتطلع الى نموذج حكم ديمقراطي حقيقي على نمط الديمقراطيات العريقة في اوروبا والغرب بصورة عامه يدعمه حزب بيوت الذي تتزعمه رئيسة الوزراء السابقه یولیا تیموشینکو و حزب " أوكرانيا لنا " الذي يتزعمه فياتشيسلاف كورولينكو .
اما التيار الثاني والذي يمثل اغلبيته من الاوكرانيين من أصول روسية ، فأنه بقي متمسك بالعلاقة مع روسيا والتحالفات التي ربطت الجانبين ، ملقيا اللوم على الغرب بما شهدته اوكرانيا من ازمات سياسية واقتصادية ، القت بظلالها على الحياة المعيشية القاسية التي يعاني منها المواطنين في اوكرانيا ، ودول اوروبا الشرقية التي خرجت من عضوية الاتحاد السوفيتي ، وما حملته حقبة الانتقال من الاقتصاد الاشتراكي الى اقتصاد السوق ، وعمليات الخصخصة التي تسببت في فقدان الكثير منهم لوظائفهم ، مما تسبب ايضا في هجرة مكثفة من الشباب نحو الاتحاد الاوروبي وامريكا ودول اخرى ، فضلا عما فقدته اجيال كاملة من ضمانها الاجتماعي عندما ارتفعت الأسعار بشكل حاد وانخفض الدخل كذلك ، واصبحت تكلفة الغذاء بعيدا عن متناول الايدي .
لقد لقي آلاف المسنين حتفهم اما متجمدين من عواصف الشاء الجليدية او اختناقا من موجات الصيف الحارة مع عدم وجود اجهزة التكييف . وقد بدأت مباني العهد السوفيتي تنهار اليوم ، ولا زالت نوبات من التضخم الشديد تهدد حياة الاوكران البسطاء ، هذا التيار دعم وايد رئيس الوزراء في حينه ورئيس حزب الاقاليم فيكتور يانكوفيتش والحزب الشيوعي الأوكراني بقيادة بيوتر سيمونينكو .
موجة من الاستقطاب الذي اغرق اوكرانيا في ازمات سياسية داخلية ، وانعكس بشكل سلبي على الوضع الاقتصادي والاجتماعي . روسيا بدورها ومن خلال سياستها الرامية الى جذب اوكرانيا ، والحرص على بقاءها ضمن فضاءها الاستراتيجي ، لذا فانها عمدت الى دعم حزب الاقاليم ، وهو أكبر الأحزاب المعارضة للتوجهات الغربية واكثرها شعبية وقوة .
في حين مارست تضييقا اقتصاديا من خلال فرض قيود ، عبر التحكم المتذبذب في إمدادات الغاز الطبيعي الذي تصدره لاوكرانيا ، والذي يعد بمثابة نقطة ارتكاز في الاقتصاد الأوكراني ، وقد ارتفعت أسعار الغاز في عهد يوتشينكو بنسبة 110 % مما زاد في رداءة الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد . وفي ظل هذا الاستقطاب اصبح واضحا بأن القرم ذات الاغلبية الروسية ، ترغب في البقاء ضمن الفضاء الاقتصادي الروسي ، الذي يتعارض مع رغبة شعبية لاسيما في الجانب الغربي بالانضمام الى الاتحاد الاوروبي ، لذلك كان قرار حكومة الرئيس فكتور يانكوفيتش بتعليق التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي ، السبب الرئيس في اشعال فتيل الازمة ، ان مسألة الانضمام الى الاتحاد الاوروبي كانت قد وضعت كمادة مثبتة في الدستور ، وان اوکرانیا حاولت جاهدة لتطبيق معايير الانضمام الى الاتحاد الأوروبي ضمن فترة زمنية مناسبة .
هذا القرار استقبله الاوكرانيون المؤيدون للانضمام الى الاتحاد الأوروبي بالرفض ، واعلنوا عنه من خلال الاحتجاجات والمظاهرات ، التي قادت الى احداث عنف راح ضحيتها العديد من المحتجين ، ومن جانب آخر شجعت تركيا ودعمت خلال العقد الأخير ، مالياً وسياسياً توجهات حصول الأقلية التترية على الحكم الذاتي . فإذا كان الصراع الحالي في أوكرانيا ما بين الأوكرانيين والروس ، فإن الصراع خلال الحقبات الماضية كان ما بين هاتين الفئتين من جهة والتتر من جهة أخرى ، تلك الأقلية التي طردت وهجرت في حقبة حكم الزعيم السوفييتي ستالين . وقضى قرابة 100 ألف مسلم تتري في الفترة 1948 – 1954 لمشاركتهم في الحرب العالمية الثانية ضد جيوش ستالين . ان التقارب الذي شهدته اوكرانيا مع روسيا في مدة رئاسة يانكوفيتش ، فسح المجال لروسيا بتوقيع اتفاقيات كان من ابرزها الاتفاقية التي وقعت خلال اللقاء الذي جمع يانوكوفتيش – بفلاديمير بوتين والتي تسمح لروسيا بالسيطرة على الخط البحري لمرور قواتها عبر مياه بحر آزوف المتفرع عن البحر الأسود .
حلف شمالي الأطلسي قرأ الانتصار الجديد لروسيا مدركاً الأهمية الاستراتيجية لهذا الإقليم . وكان الموقف الروسي واضحا ومعبرا عن رفضه لمطالب الغرب لها بخفض حجم نفوذها في كافة المناطق المطلة على البحر الأسود ، والتي تعدها ضرورية لتنفيذ مشاريعها المتعلقة بقطاع الطاقة ونقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا ، فضلا عن أهميتها العسكرية ، لذا فقد انتقل صراع المصالح بين الجوارالشرقي والغربي الى الداخل الاوكراني ، وتشفى المجتمع ووضعت مصلحة الأمة في ذيل اهتماماته ، وباتت كل فئة تعمل طبقا الى جهة استقطابها دون النظر لمصالح البلد . وبالعودة الى العام 2004 عندما شهدت اوكرانيا توترات ومظاهرات سمیت بالثورة البرتقالية ، والتي حاولت من خلالها الولايات المتحدة والدول الاوروبية استثمار الواقع السياسي الجديد في اوكرانيا لإنهاء الوجود البحري الروسي في البحر المتوسط من خلال انهاءوجود الاسطول الروسي في القرم والبحر الاسود المتصل بالبحر المتوسط عن طريق مضائق البسفور والدردنيل إلا ان روسيا ادعت دائما بتبعية القرم لها ، ومااقلقها هو التحولات التي شهدته تلك المنطقه التي بدت وكانها تسير بخطى حثيثة نحو الاندماج مع اوروبا مايهدد بفقدان ايجارها للمرافق البحرية في ميناء سيباستوبول على البحر الاسود الى الابد ، في وقت ظل الوضع القانوني لوجود او بقاء الأسطول الروسي يعتمد على النهج السياسي الذي تمارسه هذه الحكومة الأوكرانية أو تلك .
لقد اثارتغيير رأس السلطة الشرعي في أوكرانيا مخاوف بالغة لدى حكومة الرئيس فلاديمير بوتن نتيجة لصعود القوى اليمينية القومية المتطرفة إلى السلطة في كييف ، لاسيما " بعد تزايد احتمالات فسخ اتفاقية الأسطول الروسي في القرم الامر الذي مثل تهديدا خطيرا " للأمن القومي الروسي ومصالحها في منطقتي البحر الاسود والبحر المتوسط ، وكان كل ذلك دافعا قويا جعل روسيا تدعم الطموحات القديمة لسلطة الحكم الذاتي الروسي المحدود في القرم إلى نيل الاستقلال وإجراء استفتاء عام بهذا الشأن في شبه جزيرة القرم وفي مدينة سيفاستوبول حيث تشكل الطائفة الروسية نسبة 60 بالمئة ، مما سمح لروسيا بإزالة الخطر المحدق بوجودها العسكري في منطقة ذات أهمية أستراتيجية بالغة بالنسبة لها ، كما أنه رفع هيبتها كدولة تدرك مصالحها وتقدر على حمايتها.
الاحداث التي رافقت الازمة
تسارعت وتيرة الاحداث واحتدمت بشكل كبير بعد قرار الرئيس الاوكراني فيكتور يانكوفيتش بتعليق انضمام اوكرانيا الى الاتحاد الاوروبي ، وهي بشكل مبسط وحسب تسلسلها الزمني كالاتي :
ففي مطلع عام 2014 جاء قرار الرئيس الاوكراني بتعليق الانضمام الى الاتحاد الاوروبي ثم في 20 شباط فبراير من عام 2014 تأججت الاشتباكات بين المتظاهرين وقوى الامن ، وفي 22 شباط صوت مجلس النواب الاوكراني على عزل الرئيس يانكوفيتش ، وفي 23 شباط الغي قانون اللغة للاقليات ( والذي يشمل الروسية ) وتم اعلان اللغة الاوكرانية لغة رسمية وحيدة للبلاد . هذا التغيير آثار استياء سكان العديد من المناطق في جنوب وشرق البلاد ، فجاء هذا القرار ليصب الزيت على النار في لتلك الأقاليم المستاءة أصلا من التغييرات الحاصلة في عاصمتهم فانطلقت تظاهرات قام بها محتجون معظمهم ينتمي للقومية الروسية ، اعتراضا على الأحداث الجارية في كييف وطلبا للمزيد من التكامل مع روسيا ، بالإضافة إلى حكم ذاتي موسع أو استقلال للقرم عن أوكرانيا ، على الجانب الآخر تظاهرت جماعات إثنية أخرى لتأييد الانضمام الى الاتحاد الاوروبي ، وفي 27 شباط – فبراير احتل مسلحون يرتدون ملابس عسكرية روسية البرلمان القرمي ومطارين ومنشآت اخرى مهمة في القرم .
وقد وجهت کییف اصابع الاتهام الى موسكومتهمة اياها بالتدخل في شؤونها الداخلية ، في حين انكرت روسيا هذه الادعاءات .
ثم في 1 آذار- مارس ، تمت موافقة مجلس الاتحاد الروسي بالاجماع على طلب الرئيس بوتين استخدام القوات الروسية في أوكرانية ، وفي 2 آذار مارس ، استدعى مجلس الأمن القومي الأوكراني كامل قوات احتياط القوات المسلحة لديه ، وفي القرم تصاعد التوتر بين الأطراف المؤيدة لروسيا والمؤيدة لأوكرانيا ، الامر الذي استجلب ردود فعل من حلفاء أوكرانيا الغربيين ، اذ وصف وزير الخارجية الأمريكي التصرفات الروسية بأنها عمل عدائي لا يصدق ، اما مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فدعت روسيا إلى التعبير عن وجهة نظرها بسلمية . اما الجانب الروسي فقد وجه اصابع الاتمام الى الغرب بالوقوف وراء ما أسماه الانقلاب على الشرعية الانتخابية ، وادارة التظاهرات الشعبية ضد نظام بانكوفيتش حيث يقول عن ذلك المحلل العسكري السابق والكاتب الأمريكي ذي الأصول الروسية Saker ، " أظهرت الرسائل المتبادلة المسجلة أن فيكتوريا نولاند المسئولة في الخارجية الأمريكية لعبت دورا مهما خلف الكواليس " في توجيه تلك الاحداث بالشكل الذي آلت اليه ، في حين تشير اوكرانيا الى مسؤولية روسيا في تأجيج الصراع في مناطق شرق اوكرانيا التي تشهد عمليات عسكرية بين القوات النظامية ومليشيات تطالب بانفصالها عن اوكرانيا والانضمام الى روسيا او الحصول على حكم ذاتي ، تساندها فرق من المتطوعين الروس ودعم بالسلاح من قبل روسيا فضلا عن المساعدات الاستخبارية والسياسية ، ويؤكد ساکر ان بوتين أرسل في لحظة حرجة قوات خاصة الى القرم . لم تكن بالحجم الذي يخرق الاتفاق بين البلدين من حيث عدد القوات الروسية المسموح بها ، لكنها تجاوزت السيادة الأوكرانية . والسبب الذي دفع بوتين لتلك العملية ، بحسب موسكو هو حصوله على أدلة مهمة بأن كييف كانت تخطط للتحرك ضد القرم تحسبا لقيام الأقلية التركية أو التتارية باضطرابات في القرم ، وتجنبا لمواجهات الو من مع وربما تؤدي الى نتائج أسوء مما حدث في شرق أوكرانيا ، من جانب آخر فإن تنحية يانوكوفيتش ، المنتخب ديمقراطيا قد خلف فراغا شرعيا في كييف ، ومن الأولى المحافظة على السلام وهو ما قام به بوتين .
لقد أختار بوتين ن يتيح لسكان القرم فرصة تقرير مصيرهم بالسماح لهم بالتصويت بحرية في الاستفتاء ، الذي كانت نتيجته ان 95 % من المجتمع القرمي عبروا عن رغبتهم بترك أوكرانيا والانضمام الى روسيا . إن التحرك الروسي جاء نتيجة شعور روسيا بخسارتها لأوكرانيا وخوفا من خسارة القرم التي تمثل اهمية جيواستراتيجية كبيرة بالنسبة لها .
أهمية شبه جزيرة القرم
تقع على الضفة الغربية لبحر أزوف وتشرف على مضيق كيرتش الذي يفصل بينها وبين البحر الأسود ، ويتحكم بمرور السفن التجارية والعسكرية إلى عدة موانئ روسية وأوكرانية وغيرها . كما أنها على المستوى السياحي ، تشكل وجهة رئيسية للكثير من السياح الروس والأوكرانيين والبولنديين والألمان وسياح دول البلطيق ، إذ يزور القرم ما بين 3 : 5 مليون سائح سنويا . وعلى الجانب الأمني والعسكري ، هناك تواجد عسكري روسي يتمركز في ثلاث قواعد أهمها قاعدة سيفاستوبل التي تشتمل على أربعة خلجان مائية ، كما يصل إجمالي عدد القوات الروسية الثابتة فيها إلى 14000 جندي . ونتيجة لهذه الاعتبارات السابقة بالإضافة إلي خوف روسيا من التهديد الأوربي لها ، جاء التدخل الروسي بهدف معلن وهو حماية الأغلبية الروسية في شبه الجزيرة ، مستغلة انشغال كييف بملء الفراغات السياسية والأمنية والعسكرية في الوزارات وغيرها من المؤسسات بعد عزل يانكوفيتش ، أتمت روسيا بسط سيطرتها العسكرية على شبه جزيرة القرم ، فيما أعلنت أوكرانيا سحب قواتها من هناك ، وذلك بعد أن سيطرت القوات الروسية على كل المواضع العسكرية في شبه جزيرة القرم وذلك بعد أيام من إعلان ضم القرم إلى الأراضي الروسية ، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن العلم الروسي يرفرف حالياً في نحو 189 مؤسسة عسكرية في شبه جزيرة القرم ، وأن الأسطول الروسي في البحر الأسود استولى على عشرات القطع البحرية بينها الغواصة الأوكرانية الوحيدة الرابضة قرب ميناء سيفاستوبول . واتهمت أوكرانيا روسيا بغزو القرم ، فيما اتهمت موسكو الحكومة الأوكرانية التي تشكلت عقب اقالة يانكوفيتش بفقدانها للشرعية وبأنها تشكل تهديدا لسكان القرم من ذوي الاصول الروسية .
الصورة من قناة الجزيرة |