قصة جحدر

 كان جحدر بن ربيعة من لصوص العرب وشياطينهم ، يغير على أحيائهم فينهبها ، وربما فتك بمن تعرض له ؛ واشتد شره في أيام الوليد بن عبد الملك ، حتى أباد خلفاً كثيراً . فبلغ أمره الحجاج ؛ فكتب إلى عامله بالميامة ، يؤنبه لعجزه عن الضرب على يدى ذلك الفاتك ، وأمره أن يوقع به ، أو يحمله إليه أسيراً . فأ اتفق العامل مع  جماعة من فتية بني حنظلة ، وجعل لهم الجمائل  العظيمة إن هم أتوه به مغلولا  أو مقتولا .


فأرسلوا إليه يقولون : إنهم يريدون الانقطاع إليه ،فاسمع جحدر إلى قولهم ، وأدخلهم في صحبته . فأخذوا ينهبون تحت لوائه ، إلى أن صادفوا منه غر ، فشدوا وثاقه ، وقدموا به إلى العامل الذي وجههم به إلى الحجاج . فلما مثلوا بين يديه قال الحجاج : أنت جحدر ؟ قال : نعم ، فقال : وما جراك على ما بلغنى عنك ؟ قال : جور الزمان ، وجراءة الجنان ! قال : ومابلغ من أمرك ؟ قال : لو ابتلاني الأمير ، وجعلني مع الفرسان لرأى منى ما يعجبه . فقال : يا جحدر ؛ إنى قاذف بك إلى حفيرة بها سبع شرس ، فإن قتلك كفانا مئونتك ، و إن قتلته عفونا عنك لشجاعتك ! فقال : أصلح الله الأمير ! لقد قرب الفرج ! فأمر الحجاج بحبسه ، وكتب إلى العامل أن يرتاد  له سبعا عتيا ، ويحمله إليه . فارتاد له أسداً خبيثا ، كريه المنظر ، قد أفنى جميع ما باليمامة من حيوان ، ووضعه في قفص من حديد ، وأنفذه إلى الحجاج . فأمر أن يلقى في الحفيرة ، ولا يطعم شيئا ثلاثة أيام ، حتى إذا ما اشتد به الجوع ، أخرج إليه جحدر ، وما أعطه إلا سيفا ، والحجاج مشرف على الحفيرة ؛ والناس حوله ينظرون إلى الأسد ماهو صانع بفريسته ! فلما رفع  له نهض وزار زئيراً رج الجبال ، وراع الحاضرين ، فأنشد جحدر يقولوا:

 ليث وليث في مجال ضنك              كلاهما ذو قوة وسفك 

وصولة وبطشـة وفتك                    يكشف الله قناع الشـك 

فأنت لي في قبضتي وملـكى 

ثم أدلى به ، فوقع عليه وقوع الصاعقـة ، فصرخ الأسد عند رؤيتـه صرخة عظيمة ، فأجابه هو بأعظم منها ، وضر به بسيفه ضربة فلقت هامته ؛ فكبر الناس ، وأعجب به الحجاج ، وقال . لله درك ! ما أنجدك ! ثم خيره بين أن يقيم ع عنده مكرما ، أو يلحق ببلاده على ألا يؤذي أحداً ، ولا يحدث حدثاً ؛ فاختار جحدر الإقامة معه ، وأحسن أدبه ، حتى حظى عنده وجعله من سماره وخواصه ؛ و بعد ذلك بزمن غير طويل ولاء اليمامة ، ومكث فيها مدة ، قام فيها بأعباء الولاية خير قيام . 

صورة من ويكبيديا






حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-