شهيد يمشي على الأرض ؟!

إنه رجل أطلق عليه الرسول القائد لقب الشهيد الحي ، إنه رجل كان يضع أقدامه في الدنيا وهو يعلم علم يقين أنه من أهل الجنة ، إنه عملاق من عمالقة الإسلام ، وفارس من أشجع الفرسان ، ورجل من أولئك الرجال الذين كان لهم أطيب الأثر وأعظمه الفتوحات الإسلامية الأولى ، كان أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد الثمانية الذين سبقوا للإسلام ، وأحد الستة أصحاب الشوري .

نحن على موعد مع عملاق كانت بطولته يوم أحد من أروع البطولات في عالم الفروسية ، وكانت بطولته أرفع بطولات الأبطال ، فكان يقاتل قتال الليوث المغاوير ، ويندفع إلى قلب الجيش الوثني فيبدد جموعه ، ويغامر مغامرة منقطعة النظير ، فينكشف عنه الأبطال والكماة الشجعان ، لقد دفع رسول الله بيده فشلت إصبعاه ، نحن نلتقي مع بطل أحد الشهيد الحي طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه .

طلحة رضي الله عنه

هذا الذي لا يعرفه الكثير منا ، والذي لم نقرأ عنه في مناهجنا شيئا حال دون وقوع أكبر جريمة كانت ستعرفها الإنسانية في التاريخ ، ولمعرفة السبب الذي جعل من طلحة شهيدا يمشي على الأرض ، ينبغي عليك أن تتحول بقلبك إلى جبل أحد على حدود المدينة المنورة ، هذه المعركة التي انتصر فيها المسلمون في بادئ الأمر نصرا عزيزا ، ثم أصيبوا بنكسة عارضة بسبب تخلف الرماة عن أماكنهم ، واشتغالهم بجمع الغنائم ، وقد أمرهم الرسول القائد صلوات ربي وسلامه عليه أن يلزموا أماكنهم ولا يبرحوها ، سواء انتصر المسلمون أم هزموا .

لقد تلقى المسلمون في أحد درسا صعبا ، فقد تفرقوا من حول الرسول القائد صلّ الله عليه وسلم ، وتبعثر الصحابة في أرجاء الميدان ، وشاع أن النبي ﷺ قد قتل ، وكان رد الفعل على الصحابة متباينا ، وكان الميدان فسيحا ، وكل مشغول بنفسه ، إلا مجموعة من أبطال المسلمين .

الآن لتدع روحك ترافق أبا بكر الصديق رضي الله عنه وهو يلهث راكضا في أرجاء الميدان كما لم يركض أحد من قبل متجها إلى جبل أحد ؛ محاولا مسابقة الزمن قبل قوات الأوان ، قبل أن يفقد صديق عمره ، وقد أحاط الكفار به من كل جانب ، بعد أن سقط ثلاثون من أبطال الإسلام دفاعا عنه ، ليبقى بجانبه رجل واحد فقط . أخذ الصديق يسارع الخطى وأنفاسه تكاد تنقطع ، ليلمح من بعيد وهو يمد ناظريه قبالة صديقه رجلا يتحرك كالشبح ، ويقاتل كالأسد الجسور ذودا عن الرسول القائد صلوات ربي وسلامه عليه أمام رهط من فرسان قريش ، فترمي على رسول الله السهام فيتلقاها ، وترمي عليه الرماح فيتصدى لها ، فيتمنى الصديق أن يكون هذا الأسد هو نفسه ذلك الذي في باله ، فإذا كان هو فإن صاحبه لا بد أن يكون في أمان بحراسة ذلك الصنديد المغوار ، عندها قال الصديق : كن طلحة فداك أبي وأمي ، وصدق ظن الصديق ، لقد كان هذا الفدائي هو الشخص الذي يتمناه ، إنه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه . هناك كان طلحة يقاتل ببسالة ما عرفت كواسر الأرض مثلها ، يدافع عن رسول الله ﷺ بجسده وروحه ووجدائه ، فقد كانت السهام تتطاير نحو الرسول القائد ﷺ ليقفز طلحة كالفهد بسيفه والدماء تتصبب من كل مكان في جسده ، وفجأة ينطلق سهم خارق من أعظم رام سهام عرفته العرب نحو النبي ﷺ مباشرة ، فتلمح عين طلحة السهم وهو يقاتل المشركين ، فيسرع كالبرق الخاطف ليسبق هذا السهم قبل أن يصل إلى أعظم إنسان خلقه الله في الكون ، وبينما السهم يخترق الفضاء متوجها بنجاح نحو صدر رسول الله ، وإذ بيد طلحة تمتد لتحضن السهم احتضانا في شرايينها ، فينظر رسول الله ﷺ إلى يد طلحة والدماء تسيل من عروقها ليقول له : لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون .

وبينما رسول الله ينظر إلى طلحة بشفقة وحنان ، وصل أبو بكر ومعه أبو عبيدة ، فيقول : فلما أقبلنا علیه نريد إسعافه قال : اتركاني وانصرفا إلى صاحبكما يريد طلحة ، فإذا طلحة تنزف دماؤه ، وفيه بضع وسبعون ضربة بسيف ، أو طعنة برمح ، أو رمية بسهم ، وإذا هو قطعت كفه ، وسقط في حفرة وقد أصيب بإغماء من جراء إصابته الشديدة ، فصب الصديق الماء على وجهه فاستفاق ، وما كاد يسترد وعيه حتى قال أول ما قال : ما فعل رسول الله يا أبا بكر ؟


فأجابه الصديق : إنه بخير يا أبا محمد ، ففرح طلحة وقال : الحمد الله ، كل مصيبة بعده جلل أي قليلة . وهكذا يكون صدق الحب لرسول الله ﷺ ، وإخلاص الجهاد في سبيل الله ، ولذلك كان الصديق رضي الله عنه إذا جاء ذكر يوم أحد يقول : ذلك يوم كان كله لطلحة ، وقد تنبأ له النبي ﷺ بحياة عامرة البطولة والتضحية فقال : من سره أن ينظر إلى رجل يمشي الأرض وقد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة بين عبيد الله .

صورة تعبيرية




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-